الرّسل وصرف للخطاب عنه (ص) إليهم والتفات من الغيبة الى التّكلّم ليكون أبلغ في الإنذار على قراءة تمكرون بالخطاب وهو جواب سؤال ناش عن سابقه كأنّه قيل : هل الله يعلم ما نمكر حتّى يمكر بنا (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) بمنزلة التّأكيد والاضراب من غير الأبلغ الى الأبلغ في الجواب كأنّه قال : بل نعلم ما تمكرون بدون واسطة الرّسل وأنتم بحسب الفطرة تعلمون ذلك لانّا نحن الّذى نسيّركم ، والتّسيير يستلزم العلم بدقائق أحوال المسيّر والمسيّر فيه والمسيّر له وأنتم إذا رفع عنكم غشاوة الخيال تعلمون ذلك ، لانّكم تدعونه وقت انقطاع الوسائل وحيل الخيال عنكم فتعلمون انّه هو الّذى يعلم حالكم ودعاءكم ويقدر على إجابتكم ورفع البلاء عنكم فتدعونه مخلصين عن أغراض الخيال ، لكنّكم إذا رفع عنكم البلاء وتسلّط عليكم الخيال احتجب بأغراضكم الخياليّة واهويتكم النّفسانيّة معلومكم الّذى تكونون مفطورين عليه فتشركون به غيره ، فهو تأكيد للجواب وتفظيع لهم بالتّبع ، والمراد بتسييره تعالى تمكينه ايّاهم من السّير بتهيّة أسبابه الدّاخلة من قواهم العلّامة والعمّالة والخارجة من تسطيح الأرض وتسخير المراكب وجعل ما يحتاج اليه من المأكول والمشروب والملبوس ممّا يمكن نقله ، أو نقول لكلّ متحرّك محرّك لا محالة والمحرّك الاوّل في الحركات الاختياريّة هو النّفس المسخّر لها القوى والنّفس بالنّسبة الى الله تعالى مثل القوى بالنّسبة الى النّفس لا استقلال لها في شأن من شؤنها ، فكما انّ فعل القوى ينسب الى النّفس حقيقة بل النّفس اولى بنسبتها من القوى فكذلك فعل النّفس بالنّسبة الى الله تعالى فالمسيّر وان كان هي النّفس اوّلا لكنّه الحقّ الاوّل تعالى حقيقة والنّفس كالآلة له ؛ فصحّ نسبة التّسيير اليه تعالى بطريق الحصر (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها) التفات من الخطاب الى الغيبة (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) من امكنة البحر يعنى من جميع جوانب السّفن (وَظَنُّوا) أيقنوا لما مرّ مرارا انّ علوم النّفس ان كانت يقينيّة فهي ظنون ، أو المراد حقيقة الظّنّ لانّ ظاهر الأمواج وان كان مورثا ليقينهم لكن رجاءهم بالغيب المفطور على العلم به وبقدرته على انجائهم مورث لاحتمال الإنجاء (أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) اى اهلكوا والتّأدية بالماضي للاشارة الى تحقّقه كأنّه وقع وهذا يؤيّد كون الظّنّ بمعنى اليقين وهو صار مثلا في الهلاك ، وأصله من قولهم : أحاط به العدوّ فلا سبيل للخلاص له ولا مسلك للخروج (دَعَوُا اللهَ) بدل من ظنّوا بدل الاشتمال ، أو جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : ما فعلوا؟ (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) طريق الدّعاء أو طريق النّفس الى الله أو اعتقادهم التّوحيد وسائر عقائد الدّين أو ملّتهم الّتى أخذوها دينا من نبيّهم ووجه الإخلاص قد مضى من انّ تسلّط الخيال وتصرّفه يورث الشّرك الظّاهر والباطن وحين تراكم البلاء وتلاطم أمواجه ينقطع حيله ويفرّ ويقول كالشّيطان : انّى ارى ما لا ترون انّى أخاف الله ربّ العالمين فيبقى التّوحيد الفطرىّ بلا معارض ولا حجاب (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) تفسير للمدعوّ به المحذوف تقديره : دعوا الله بشيء لئن أنجيتنا ، أو مفعول لقول محذوف حالا (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ) يعنى خرجوا من الشّكر ونكثوا حلفهم ونقضوا عهدهم لعود الخيال وحيله واغشيته إليهم بغى عليه عدا وظلم ، وبغى وعدل عن الحقّ واستطال وكذب ، وبغى في مشيه اختال وأسرع ، وبغاه طلبه والكلّ مناسب هاهنا (بِغَيْرِ الْحَقِ) تقييد للبغي فانّ البغي باىّ معنى كان قد يكون بالحقّ