لها مفكّرة وباعتبار استخدام الواهمة متخيّلة ، فانّه التّفكّر هو استعمال المفكّرة أو المتخيّلة في التّصرّف في المعلومات ، وأمثال هذه الآيات المتراكمة المتداخلة المتوافقة المتخالفة لا يدركها الّا من كان عالما متفكّرا (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) عطف على نفصّل الآيات أو على كذلك نفصّل الآيات ومقتضى المقام ان يقول وندعو الى دار السّلام ليتوافق المتعاطفان في الفعليّة وفي المسند اليه لكنّه عدل عن التّكلّم وعن الفعليّة الى الاسميّة ولذا يتراءى المنافرة بين المتعاطفين للاشارة الى علّة الحكم وانّ الالهيّة تقتضي ذلك ، وتقديم المسند اليه لتأكيد الحكم ولشرافته وللاشارة من اوّل الأمر الى علّة الحكم ، ودار السّلام دار الله لانّ السّلام من أسمائه تعالى ، أو دار السّلامة من جملة الآفات البدنيّة والنّفسانيّة ، ولمّا كان الدّعوة عامّة بخلاف الهداية الخاصّة أطلق هذه وقيّد الهداية (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) والمراد بالدّعوة الدّعوة الظّاهرة الجارية على السنة الأنبياء ولذا كانت عامّة وبالهداية الهداية الخاصّة الى ولىّ الأمر وهو الصّراط المستقيم ولذا أتى بها بعد الدّعوة ، لانّ تلك الهداية تكون بعد قبول النّبوّة والبيعة العامّة النبويّة وقيّدها بمن يشاء لانّ الدّعوة الباطنة والبيعة الخاصّة خاصّة بمن شاء ان يتّخذ الى ربّه سبيلا (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما لمن انتفع بالآيات وقبل الدّعوة واهتدى؟ ـ فقال : للّذين أحسنوا منهم العاقبة الحسنى ، أو المثوبة الحسنى ، وأصل الإحسان قبول الولاية وكلّ قول وفعل وحال وخلق يكون للإنسان من جهة الولاية كان إحسانا لانّ الحسن الحقيقىّ هو الولاية المطلقة الّتى مظهرها علىّ (ع) ، والولايات الجزئيّة حسنة بحسنها وكلّ من اتّصل بالبيعة الخاصّة بعلىّ (ع) بلا واسطة أو بواسطة الأولياء الجزئيّة صار ذا حسن ، وهو المراد بالإحسان هنا ، ومن صار ذا حسن ولم ينقطع حبل اتّصاله ولا ينقطع الّا نادرا اتّصل اتّصاله البشرىّ بالاتّصال الملكوتىّ والجبروتىّ بملكوت علىّ (ع) وجبروته ، وهو العاقبة الحسنى والمثوبة الحسنى لا أحسن منها (وَزِيادَةٌ) هي لوازم الاتّصال بملكوت ولىّ الأمر من الرّاحة في الدّنيا والخلاص من آلامها والجنّة ونعيمها في الآخرة ، واختلاف الاخبار في تفسيرها يرفعه ما ذكرنا (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) لا يغشيها (قَتَرٌ) غبرة فيها سواد (وَلا ذِلَّةٌ) وهما كناية عمّا يعروها من اثر الحزن وشدّة الحاجة وذلك لما عرفت من انّ المتّصل بملكوت ولىّ الأمر ليس له الم حزن ولا حاجة (أُولئِكَ) التّأدية باسم الاشارة البعيدة للتّفخيم ولتصويرهم بما ذكر من الأوصاف (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ) عطف على جملة للّذين أحسنوا الحسنى من قبيل عطف الجملة أو على الّذين أحسنوا الحسنى بتقدير اللّام من قبيل العطف على معمولى عاملين مختلفين عطف المفرد وهو اولى لموافقته لسياق الكلام ولسلامته عن الحذف (جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) قد سبق انّ السّيّئة لمّا كانت مخالفة لمقتضى الفطرة لا تقوى على تنزيل الإنسان زيادة على قدر قوّتها ، والحسنة لمّا كانت موافقة لفطرته ترفعه زائدا على قدر قوّتها عشر أمثالها الى سبعمائة والله يضاعف لمن يشاء (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من سخط الله أو من جانب الله (مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) لغاية الحزن وشدّة الألم (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) يعنى المؤمنين والكافرين ، أو الكافرين وشركاءهم ، أو المؤمنين وأئمّتهم والكافرين وشركاءهم (جَمِيعاً) عطف على محذوف متعلّق بالجمل