يصحّح العلم ويجعل الظّنّ قائما مقام العلم بل أشرف منه كما مضى ؛ ولذلك قال تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ) بلا واسطة أو بواسطة (لَكُمْ) في التّحليل والتّحريم باىّ نحو شئتم أو في خصوص تحليل أشياء خاصّة وتحريم أشياء خاصّة والاذن اعمّ من ان يكون بتكليم الله بلا واسطة أو بواسطة الملك وحيا أو تحديثا أو بواسطة خلفائه البشريّة (أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) في ادّعاء الاذن أو في نسبة التّحليل والتّحريم الى الله ، ولمّا كان الحلال ما احلّه الله والحرام ما حرّمه الله لا غير فمن قال بالتّحليل والتّحريم بإذن الله فحلاله حلال الله وحرامه حرام الله ، ومن لم يقل بإذن الله فتحليله وتحريمه افتراء على الله سواء ادّعى الاذن في ذلك وقال برأيه أو ادّعى نسبة ذلك الى الله وادّعى أنّه مبيّن لحكم الله أو لم يدّع شيئا من ذلك ، لانّه قال فيما هو مختصّ بالله والقول فيما هو مختصّ بالله لا يكون الّا من ادّعاء الاذن فيه أو ادّعاء نسبته اليه تعالى وانّه مبيّنه فالمنفصلة حقيقيّة ، فاذا كان عدم الاذن معلوما فالافتراء محقّق ولذا عقّبه بتهديد المفترين ، فمن ادّعى تبليغ الأحكام القالبيّة كما هو شأن علماء الشّريعة رضوان الله عليهم أو تبليغ الأحكام القلبيّة كما هو شأن علماء الطّريقة رضوان الله عليهم ولم يكن مأذونا من الله بواسطة خلفائه كان مفتريا ومصداقا لقوله تعالى : ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين ، ولذا كانت سلسلة الاجازة منضبطة متّصلة من لدن آدم (ع) الى الخاتم (ص) وبعده الى زماننا هذا بين الفقهاء خلفائه كان مفتريا ومصداقا لقوله تعالى : ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين ، ولذا كانت سلسلة الاجازة منضبطة متّصلة من لدن آدم (ع) الى الخاتم (ص) وبعده الى زماننا هذا بين الفقهاء رضوان الله عليهم ومشايخ الصّوفيّة (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف مستقرّ حال من لفظة ما فانّه مفعول للظّنّ معنى وفي معنى الحدث ، وامّا تعلّقه بالظّنّ فانّه يفيد خلاف المقصود لانّ المقصود تهديدهم على اعتقادهم الحاصل المستتبع لاعمال منافية لاعتقاد الجزاء يوم القيامة ، وتعلّقه بيفترون أيضا مفسد للمعنى والمعنى ، اىّ جزاء مظنون الّذين يفترون على الله حالكونه ثابتا يوم القيامة؟ أو ظرف لغو بتقدير في أو اللّام ومتعلّق بالظّنّ أو بيفترون والمعنى ، اىّ شيء ظنّ الّذين يفترون في حقّ يوم القيامة أو ليوم القيامة؟ وقرئ ظنّ بلفظ الماضي وهذه الكلمة في المبالغة والتّشديد في التّهديد صارت كالمثل في العرب والعجم ، ولمّا بالغ في التّهديد في المتصرّفين بآرائهم في احكام الله وقل من ينفكّ عن التّصرّف في احكام الله قالا أو حالا في الصّغير أو في الكبير وصار المقام قريبا من مقام اليأس والمطلوب مزج الخوف مع الرّجاء حتّى لا يترك العاصي الاستغفار ولا يغترّ الرّاجى ، فرض سؤالا عن فضله تعالى ورحمته فأجاب بقوله (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) ما يتفضّل به عليهم وبعضهم يكفرون والاقلّ منهم يشكرون (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) الشّأن عبارة عن مراتب الإنسان ومقاماته الحاصلة في الكامل والمكمونة في النّاقص والأحوال الطّارية له بحسب مقاماته (وَما تَتْلُوا مِنْهُ) من الكتاب أو من الشّأن أو من الله (مِنْ قُرْآنٍ) تخصيص الخطاب في هاتين الفقرتين به (ص) لاختصاص تلاوة القرآن من الله أو من الشّأن واختصاص ابتداء التّلاوة من الكتاب واختصاص الاستشعار بالشّؤن والمراتب به بخلاف العمل (وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ) تشريك للخطاب أو صرف للخطاب عنه (ص) إليهم لانّ شهود اعماله الجليّة مستفاد من شهود شؤنه الخفيّة (إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداًإِذْتُفِيضُونَ) تخوضون (فِيهِ وَما يَعْزُبُ) وما يفقد (عَنْ رَبِّكَ) عن تصرّفه أو عن علمه أو عن ذاته (مِنْ) ذات (مِثْقالِ ذَرَّةٍ) على الاوّلين أو من علم مثقال ذرّة على الأخير ، والّذرّة النّملة الصّغيرة ومائة منها زنة حبّة من الشّعير (فِي الْأَرْضِ) تقديم الأرض لكونها اهمّ في مقام بيان سعة علمه لانّ الأرض ابعد الأشياء منه وما فيها أخفى الأشياء لانّ كلّا منها في الغيبة