البحث
البحث في تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
بثوبه حتّى لا يراه رسول الله (ص) فأنزل الله الآية ، ونقل انّه كناية عن انطواء قلوب المنافقين على بغض علىّ (ع) (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) حين دخولهم في خلواتهم واستغشائهم ثيابهم للمنام وهو أخفى حالاتهم أو حين يستغشون ثيابهم لئلّا يراهم الرّسول (ص) (يَعْلَمُ) الله (ما يُسِرُّونَ) من النّيّات فيعلم نبيّه (ص) والمؤمنين (وَما يُعْلِنُونَ) من الأفعال (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بمكمونات الصّدور الّتى لم تخرج من القوّة الى الفعل بعد ، ولا خبرة لهم بها فكيف بنيّاتها وخطراتها وحالاتها الّتى هي علانية بالنّسبة الى ذات الصّدور فانّ غير المكمونات لجواز زوالها عن الصّدور لا يصدق عليها انّها صاحبة للصّدور وهو تعليل لسابقه.
الجزء الثّانى عشر
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) عطف على انّه عليم بذات الصّدور أو حال من المستتر في عليم (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) فكيف لا يعلم حالها وما يوافقها وما يخالفها (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) محلّ قرارها من الدّنيا أو من الآخرة (وَمُسْتَوْدَعَها) محلّها الّذى ينتقل منها من أصلاب الآباء وأرحام الامّهات ومن منازل الدّنيا ومنازل الآخرة الى مستقرّها في الآخرة ، ويجوز ان يكونا اسمى زمان أو مصدرين ، ويجوز اعتبار الاستقرار بالاضافة وكذلك اعتبار الاستيداع وحينئذ يكون كلّ من منازل الدّنيا والآخرة مستقرّا ومستودعا باعتبارين سوى المنزل الأخير من الآخرة لانّه يكون مستقرّا على الإطلاق (كُلٌ) من الدّوابّ أو من المستقرّ والمستودع (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) هو القلم العالي أو اللّوح المحفوظ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) سماوات الأرواح وارض الأشباح الملكوتيّة النّورانيّة والملكيّة الظّلمانيّة والسّفليّة السّجّينيّة وسماوات عالم الطّبع وارض ذلك العالم (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) قد مرّ تفسير الآية ووجه التّقييد بستّة ايّام في سورة الأعراف (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) عرض الرّحمن مشيّته الّتى وهي فعله وكلمته والحقّ المخلوق به والولاية المطلقة والحقيقية المحمّديّة (ص) وإضافته الاشراقيّة وهي اضافة الحقّ الى الخلق ، ولها وجه الى الحقّ المطلق وبهذا الوجه تسمّى عرشا ووجه الى الخلق وبهذا الوجه تسمّى كرسيّا ، وهي بوجهها الاوّل ظهوره تعالى بأسمائه وبوجهها الثّانى ظهوره تعالى بأفعاله وإذا اعتبرت اضافتها الى الخلق كان حاملها أقرب الممكنات إليها ، وهم اربعة في النّزول وإذا اعتبر الصّاعدون معها صاروا ثمانية ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذ ثمانية وإذا قطع النّظر عن اضافتها الى الخلق كان وجهها الخلقىّ وجودا صرفا ويعبّر عنه بالماء وكان الوجه الخلقىّ حاملا لها من حيث وجهها الحقّىّ فقبل اعتبار الخلق كان عرشه على الماء ، وما ورد في الاخبار من التّفاسير المختلفة راجع الى ما ذكرنا (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ليعلم بالاختيار ايّكم أحسن عملا ولهذا التّضمين علّق يبلوكم بأداة الاستفهام والمعنى انّا خلقنا السّماوات والأرض في المراتب السّتّ من مراتب العالم وخلقكم بين السّماوات والأرض وجعل لكم طريقا إليهما وسهّل لكم الصّعود الى السّماوات والنّزول الى الأرض ، وأودع فيكم أنموذجا من كلّ ليبلوكم بذلك ويظهر من كان منكم أحسن عملا ، وانّما اقتصر على ذكر حسن العمل وأتى بصيغة التّفضيل اشارة الى انّ الغاية هو الّذى يكون أحسن عملا والباقي منظور اليه بالتّبع وامّا قبح العمل فهو من الطّوارى فالآية اشارة الى شرافة الإنسان وترغيبه في محاسن الأعمال بألطف وجه (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ