علىّ (ع) البالغ في الطّغيان عليه (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) اى بمن خرج عن حكومة العقل وحكم الله (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) بعد ما بيّن وجوب طاعة الله فيما انزل وطاعة الرّسول فيما حكم وطاعة ولىّ الأمر يعنى صاحب الامارة الباطنة وصاحب عالم الأمر مقابل الخلق وبيّن وجوب الرّدّ الى كتاب الله والى الرّسول (ص) وقد عيّن في الكتاب وبيّن الرّسول من هو ولىّ الأمر وترجمان الكتاب والسّنّة وقد لزم منه انّ من خرج عن طاعة الله وطاعة الرّسول (ص) ونبذ قولهما في تعيين ولىّ الأمر وراء ظهره لم يكن مؤمنا وظهر ذلك بحيث لا خفاء فيه خاطب رسوله على سبيل التّعجيب من بلادة من اتّبع الشّيطان بإضلال الطّاغوت فانّ القضيّة وان لم تكن بعد لكنّها مشهودة لمحمّد (ص) فالآية ان كانت نازلة في الزّبير بن العوّام ورجل من اليهود كما ورد انّ الزّبير نازع يهوديّا في حديقة فقال الزّبير : نرضى بابن شيبة اليهوديّ وقال اليهوديّ : نرضى بمحمّد (ص) فنزلت حرمة المحاكمة الى الطّاغوت وسلاطين الجور وقضاتهم ، وحرمة ما أخذ بحكمهم قد وردت عن ائمّتنا المعصومين ، فعن الصّادق (ع) للاشارة الى تعميم الآية : ايّما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حقّ فدعاه الى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى الّا ان يرافعه الى هؤلاء كان بمنزلة الّذين قال الله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) (الآية) ، وعنه (ع) انّه سئل عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السّلطان أو الى القضاة ؛ أيحلّ ذلك؟ ـ فقال : من تحاكم الى الطّاغوت فحكم له فانّما يأخذ سحتا وان كان حقّه ثابتا لانّه أخذ بحكم الطّاغوت وقد امر الله ان يكفر به ، قيل : كيف يصنعان؟ ـ قال : انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فانّى قد جعلته عليكم حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فانّما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله.
تحقيق حديث انظروا الى من كان منكم
وقد روى هذا الخبر في الكافي بتغيير يسير وقوله : الى من كان منكم مقصوده من كان قد دخل في هذا الأمر وعرف ولايتنا وقبل الدّعوة الباطنة وبايع معنا البيعة الخاصّة الولويّة لا من انتحل الإسلام كأكثر العامّة أو بايع على يد من لا يجوز البيعة على يده كخلفاء الزّور ، وقوله : قد روى حديثنا ، مراده انّ العارف لهذا الأمر لا ينصب نفسه لرواية الحديث الّا ان يؤذن له بحسب استعداده واستحقاقه وقوله : نظر في حلالنا وحرامنا يعنى به انّ الدّاخل في هذا الأمر ما لم يستعدّ للنّظر في حلالنا وحرامنا بخروجه من حكومة النّفس والشّيطان وبإصلاح نفسه بقدر استعداده من تخليته عن الرّذائل وتحليته بالفضائل لا يؤذن له في النّظر الى ما هو خارج عن نفسه بل يلقى اليه ما هو تكليفه ويؤمر بالعمل به حتّى يخلص من غوائل نفسه فاذا خلص يؤذن له في النّظر الى ما هو خارج عن نفسه ، وقوله : عرف أحكامنا ، يعنى بسماع اشخاصها منّا أو بسماع كلّياتها بحيث تنطبق على الجزئيّات لانّ المعرفة تستعمل في العلوم الجزئيّة الحاصلة من المدارك الجزئيّة وقوله : فارضوا به حكما ، يعنى انّ الأوصاف المذكورة تدلّ على انّه منصوب منّا مأذون من قبلنا وكلّ من كان منصوبا منّا لا بدّ من الرّضا بحكومته لانّ حكومته بإذننا هي حكومتنا ، وقوله : فانّى قد جعلته عليكم حاكما ، مؤكّدا بانّ واسمّية الجملة وتكرار النّسبة بتقديم المسند اليه قرينا بقد وماضويّة المسند يدلّ مثل سابقه على انّ الجعل والنّصب قد وقع منه سابقا ؛ فالحديث دليل على الاذن الخاصّ الحاصل للموصوف بهذه الأوصاف وعلى انّ هذه الأوصاف أمارات هذا الاذن. هذا في الكبير ، وامّا في الصّغير فالمراد بالتّحاكم الى الطّاغوت التّحاكم الى الخيال وقبول حكومته بإضلال شيطان الوهم وحيلته وهما مظهر الطّاغوت