احسّوه خيرا من الاعراض الدّنيويّة وكان المناسب لحالهم وعدهم بما يظنّونه خيرا ، وقيل : لم يمطروا ثلاث سنين وكانوا قد اعقمت نساؤهم فكانوا طالبين للمطر وللأولاد والمراد بزيادة القوّد زيادة العدد (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) دالّة على صدقك قالوه عنادا (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) يعنى ما نقول وما نحتمل في حقّك شيئا الّا هذا القول وهو قولنا اعتريك اى أصابك بعض الهتنا بسوء فصرت مجنونا ، أو ما نقول معك الّا هذا القول يعنى لا تخاطب لنا معك لانّك مجنون بإصابة بعض آلهتنا.
اعلم ، انّ الشّياطين كانوا يظهرون حينا ما على هياكل الأصنام بعض الغرائب مثل التّكلّم على ألسنتهم ولذا كانوا مغترّين بها مع انّها جمادات بلا روح والّا فالعاقل لا ينسب الى الجماد ما يخوّف به الإنسان (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ) أجابهم عن التّخويف بالأصنام بالتّحدّى وعدم المبالاة بها (فَكِيدُونِي) أنتم وآلهتكم (جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) كناية عن تسخيره تعالى وقهره لكلّ دابّة.
بيان في وحدة الوجود
اعلم ، انّ الأصل في التّحقّق هو الوجود كما سبق في اوّل البقرة وعليه معظم الحكماء والمشّائين والاشراقيّين ، وقرّره جميع أهل الّذوق من العرفاء والصّوفيّة الصّافيّة الطويّة رضوان الله عليهم وانّه حقيقة واحدة وسيعة ذات مراتب عديدة وبحسب تنزّلاتها وكثرة مراتبها يطرؤها الحدود الكثيرة ، وباعتبار الحدود ينتزع منها مهيّات عديدة متباينة ومتشاركة ، وبكثرة الحدود والمهيّات لا ينثلم وحدتها إذ وحدتها ليست اعتباريّة حتّى تنثلم باعتبار الكثرة ، ولا جنسيّة حتّى تنثلم بانضمام الفصول ، ولا نوعيّة ولا صنفيّة حتّى تنثلم بالمصنّفات والمشخّصات ، ولا عدديّة حتّى يتصوّر لها ثان ، ولا تركيبيّة ولا اتّصاليّة حتّى تنثلم بالتّحليل والتّقسيم بل لا تركيب فيها من جنس وفصل ولا نوع ومشخّص ولا مهيّة ووجود ولا وجود وحدّ وجود ، ولذا كانت لا اسم لها ولا رسم وكانت غيبا مطلقا لا خبر عنها ولا اثر والأسماء والرّسوم والكثرات المتراءات فيها انّما هي في مقام ظهورها فحقيقة الوجوب هي الظّاهرة في كلّ المظاهر وهي الغاية عن الكلّ ومن قال : سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها ؛ نظر الى تلك الحقيقة فانّها باعتبار مقام الغيب ومرتبة الوجوب خالق الكلّ ومظهرها ، وباعتبار مقام الظّهور عين الكلّ وحقائقها فانّه ليس في تلك العبارة اشعار بوحدة الوجود المؤدّية الى الاباحة والإلحاد فانّه نزّهه سبحانه اوّلا عن الاختلاط بالكثرات ثمّ أسند الإظهار اليه واثبت الأشياء فأشار الى الكثرات والى تنزّهه تعالى عن الكلّ وعلوّه على الكلّ ثمّ قال : انّه باعتبار حقيقة الوجود عين الكلّ والكلّ متحقّق به لا باعتبار مرتبة الوجوب والّا لزم التّناقض في كلامه وهو اجلّ شأنا من ان يأتى بالتّناقض في كلام واحد ، والى هذا المعنى أشير في الكلام الالهىّ بقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) اى الله باعتبار حقيقة الوجود لا باعتبار مقام الوجوب ، وما ورد من أمثال هذا في كلمات الكبار من الصّوفيّة فهو ناظر الى تلك الحقيقة لا الى مقام الوجوب حتّى يرد عليهم ما أوردوه مثل قولهم :
غيرتش غير در جهان نگذاشت |
|
زان سبب عين جمله أشياء شد |
كه يكى هست وهيچ نيست جز أو |
|
وحده لا اله الّا هو |
جنبشى كرد بحر قلزم عشق |
|
صد هزاران حباب پيدا شد |
ليس في الدّار غيره ديار |