فالنّفوس الانسانيّة بعد الموت والخروج من غلاف البدن مثلها بعد التّولّد والخروج من غلاف الرّحم ، فكما أنّها بعد التّولّد تنمو وتشبّ بحسب بدنه وتخرج من الدّنيا ، كذلك بعد الموت تنمو وتشبّ وتخرج من عالم الصّورة والمثال ان كانت من المقرّبين ، أو تخرج من البرزخ فقط وتقف في صورة هي مقرّها ان كانت من أصحاب اليمين أو من أصحاب الشّمال سواء كان موتها اختياريّا أو اضطراريّا ، وبعد خروجها من عالم الصّور الى عالم المجرّدات الصّرفة وانتهائها الى صورة لا تتجاوز عنها يكون قيامتها الكبرى ودخولها في مقامها من جنّات أو في نار الدّنيا كما في أخبارنا ، وهما اللّتان تكونان في البرازخ قبل الوصول الى محلّ القرار ؛ وقد فسّر الجنّة والنّار في هذه الآية بولاية آل محمّد (ص) وولاية أعدائهم (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) لكن على طريقة ، ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، والفاء للجزاء اى إذا علمت حال آلهة الأمم السّالفة وانّها لا تغني عن عابديها شيئا بما قصصناه عليك وبما شاهدت من آثارهم فلاتك في مرية (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) من عبادة هؤلاء لانّ عبادتهم مثل عبادة أسلافهم أو من الآلهة الّتى يعبدها هؤلاء فانّ حالها كحال آلهة السّالفين (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) اى الأمم السّالفة الّذين قصصتهم عليك والتّقدير كما كان يعبد آباؤهم فحذف لدلالة قوله (مِنْ قَبْلُ) عليه (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) اى قسطهم من العذاب كآبائهم أو نصيبهم من أرزاقهم الى آجالهم حتّى نذهب بهم الى دار شقائهم (غَيْرَ مَنْقُوصٍ وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) كتاب النّبوّة وصورته التّوراة كما آتيناك الكتاب (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) كما اختلف في كتابك (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بإمهالهم حتّى يخوضوا في طغيانهم (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين المختلفين من قوم موسى (ع) أو من قومك بتمييز المبطل عن المحقّ وإهلاك المبطل وإبقاء المحقّ (وَإِنَّهُمْ) اى منكرون قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من كتابك (مُرِيبٍ) بالغ سواء كان من قبيل ظلّ ظليل أو بمعنى موقع للغير في الشّكّ على ان يكون من أرابه بمعنى أوقعه في الشّكّ (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) قرئ انّ بتشديد النّون وتخفيفها وعلى قراءة التّخفيف قرئ كلّا بالنّصب وبالرّفع وعلى كلّ فلمّا بالتّشديد وبالتّخفيف وقرئ لمّا بالتّنوين فعلى قراءة تشديد النّون فكلّا اسم انّ ولمّا بالتّشديد مركّبة من لام الابتداء ومن الجارّة وما الموصولة أو ما الموصولة ، ولام ليوفّينّهم موطّئة والجملة صلة ما أو صفته والمعنى لمن الّذين ليوفّينّهم أو لمن اشخاص ليوفّينّهم بتقدير القول ، أو لمّا نافية والمنفىّ محذوف وليوفّينّهم جملة مستأنفة والمعنى لمّا يوفّ ربّك أعمالهم ليوفّينّهم أعمالهم أو لمّا أصله لمّا بالتّنوين بمعنى جميعا تأكيدا لكلا أبدل النّون ألفا اجراء للوصل مجرى الوقف ، أو لمّا فعلى من لمّ بألف التّأنيث بمعنى جميعا لم ينصرف لمكان الالف وعلى قراءة تشديد انّ وتخفيف لما فلام لما لام خبر انّ ولام ليوفّينّهم مطوّئة أو بالعكس وما زائدة للفصل بين اللّامين ، أو لام لما لام خبر انّ وما موصولة أو موصوفة اى انّ كلّا من المؤمنين والمنكرين للّذين ليوفّينّهم ربّك أعمالهم ، وهكذا تقدير الموصوفة ، وعلى قراءة تخفيف النّون ونصب كلّا وتشديد لمّا فان مخفّفة عاملة على أصلها وكلّا اسمها ولمّا على الوجوه السّابقة أو ان نافية وكلّا مفعول فعل محذوف ولمّا استثنائيّة والمعنى ان ارى كلّا الّا ليوفّينّهم ، أو ان مخفّفة مهملة وكلّا مفعول فعل محذوف ولما على الوجوه السّابقة وعلى قراءة تخفيف ان ونصب كلّا وتخفيف لما فان مخفّفة عاملة مثل كونها مشدّدة عاملة مع لما