أوحينا أو نقصّ أو كليهما على سبيل التّنازع على ان يكون أحسن القصص مفعولا مطلقا والّا فهو مفعول أو حينا أو بدل من أحسن القصص (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) لانّك ما اختلفت الى العلماء ولا الى القصّاص وما تجسّست الكتب والغفلة من الله مذمومة ومن غير الله للاشتغال به ممدوحة والمراد الغفلة من تلك القصّة (إِذْ قالَ) إذ اسم خالص مفعول نقصّ أو أوحينا أو بدل من أحسن القصص أو هذا القرآن ، أو بتقدير الأمر من الذّكر وعلى اىّ تقدير فليقدّر مثل المثل والحكاية مضافا الى كلمة إذ قال (يُوسُفُ لِأَبِيهِ) يعقوب (ع) بن إسحاق (ع) بن إبراهيم (ع) وكان لقبه إسرائيل وهو في لغة العبرىّ خالص الله (يا أَبَتِ) الحاق التّاء بالأب والامّ مناديين لإظهار الشّفقة والاستعطاف كتصغير الابن منادى (إِنِّي رَأَيْتُ) من الرّؤيا (أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) رأيتهم تأكيد لرأيت ولى ساجدين مفعول ثان لرأيت الاوّل أو رأيتهم جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : على اىّ حال رأيتهم؟ ـ أو جواب سؤال كان مذكورا في المحكىّ فحذف من الحكاية كما قيل : انّ يعقوب (ع) قال على اىّ حال رأيتهم؟ وتأخير الشّمس والقمر للاشارة الى التّرتيب في الرّؤيا ، وقيل : كان تحقّق تعبير الرّؤيا أيضا كذلك لانّ اخوته سجدوا اوّلا ثمّ سجد أبوه وأمّه ، أو للاهتمام بالشّمس والقمر شبه التّخصيص بعد التّعميم ، والإتيان بضمير ذوي العقول وجمعهم لنسبة السّجدة الّتى هي من افعال ذوي العقول إليهم (قالَ يا بُنَيَ) صغّره شفقة (لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) لمّا كان شفيقا على أولاده لم يقتصر على نسبة الكيد إليهم واعتذر عنهم بانّ الكيد كان من تصرّف الشّيطان ، نقل انّ يوسف (ع) قال : يا ابه انّ كلماتك تدلّ على انّ إخوتي سيدخلون في سلك الأنبياء (ع) ولا ينبغي الكيد من الأنبياء؟ ـ فقال : لا يتأتّى الكيد من الأنبياء (ع) لكن قد يتصرّف الشّيطان فيهم كما وقع منه بالنّسبة الى آدم (ع) ، انّ الشّيطان للإنسان عدوّ مبين ، نهاه (ع) عن قصص رؤياه على اخوته لما شاهد منهم من حقدهم وحسدهم على يوسف (ع) وعلم انّهم عالمون بتعبير الرّؤيا وانّهم يحسدونه على ما يتفطّنون من تعبير رؤياه. نقل انّ يعقوب (ع) لمّا منع يوسف (ع) من قصص رؤياه على اخوته قبل تعبير رؤياه تغيّر لون يوسف (ع) وارتعدت فرائصه لما كان قد علم من شدّة صولة اخوته وقوّتهم فأخذه يعقوب (ع) وعبّر رؤياه تسكينا له فقال : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) عطف على محذوف اى يرفعك وكذلك يجتبيك ربّك ، ويحتمل انّه كان مذكورا في المحكىّ فأسقطه الله عن الحكاية ايجازا ، أو استيناف شبه العطف بلحاظ المعنى لانّه بعد ما قال : لا تقصص رؤياك استنبط منه انّ تلك الرّؤيا دليل رفعته والمشار اليه الاجتباء بإراءة سجدة الكواكب (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أتى بمن للاشعار بأنّ لتأويل الأحاديث مراتب عديدة لا يحيط بجملتها الّا الله ، والأحاديث ، قيل : اسم جمع للحديث ، وقيل : جمع له على خلاف القياس ، وقيل : جمع الاحداث وهو جمع الحديث أو جمع الحدث بمعنى ما يحدث آنا فآنا ، وتأويل الأحاديث عبارة عمّا تؤل اليه من مبدئها وغايتها ان كان التّأويل بمعنى المؤوّل اليه وان كان بمعناه المصدرىّ فالمقصود كيفيّة إرجاعها الى مبدئها ومنتهاها ، ومبدء الكلّ وكذا غايته هو الله بتوسّط المبادى والغايات المتوسّطة فهو مبدء المبادى وغاية الغايات ، وتأويل الأحاديث بهذا المعنى امر عظيم غامض جدّا لا يتيسّر الّا لمن كان رسولا بعد ما كان عبدا وليّا ، والاحاطة بجميع مراتب التّأويل خاصّة بالله وبمن كان خاتم الكلّ في كلّ الكمالات كما قال تعالى : لا يعلم