نَفْسِهِ) راود ذهب وجاء لطلب شيء ولتضمين معنى الطّلب والسّؤال عدّاه بعن والمقصود تشبيه ملاطفاتها له وفتح أبواب الرّغبة عليه ، وانّه كلّما سدّ بابا من أبواب ترغيبها فتحت بابا آخر بالمراودة الصّوريّة ، والتّعليق على الموصول للاشعار بكمال قوّتها في المراودة وعدم عذر له من جهة الأسباب الصّوريّة وارتفاع حجاب الحياء بكثرة المعاشرة ولذلك عقّبه بقوله (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) حتّى يكون تعفّفه في تلك الحال دالّا على كمال قوّته الالهيّة وتسلّطه على قواه النّفسانيّة ، والتّضعيف للتّكثير فانّ الأبواب كما نقل كانت سبعة وكانا في البيت السّابع. وقد ذكر في التّواريخ انّها كانت تعشق يوسف (ع) وهو في بيتها سبع سنين وكانت تكتم عشقها ولا يعلمه الّا الله وما أظهرتها على يوسف (ع) أيضا حتّى ذاب جسمها واصفّر لونها واغورّت عيناها وكانت لها امرأة مربّية كانت صاحبة اسرارها ، فسألتها عن حالها فأظهرت حال عشقها وانّ يوسف (ع) لا يلتفت إليها ولا ينظر إليها كلّما تزيّنت له ، فأشارت إليها ان تبنى قبابا متزيّنة بأنواع الجواهر وان تنقش في جوانب كلّ قبّة صورتها وصورة حبيبها متعانقة وتجعل مسكن يوسف (ع) فيها وتظهر عشقها له لعلّه يرغب فيها بعد مشاهدة الصّور المنقوشة المرغّبة ؛ ففعلت وأدخلت يوسف (ع) في القبّة السّابعة وغلّقت الأبواب لئلّا يبقى له عذر في عدم المخالطة معها. وقيل : انّها بنت قبّة نصبت في سقفها وجميع جدرانها المرائى بحيث إذا أدخلت يوسف (ع) فيها لا تنظر الى شيء الّا تشاهد صورة يوسف (ع) ولا ينظر يوسف (ع) الى طرف الّا يرى صورتها ، وذلك انّها كلّما الحّت ودبّرت ان ينظر يوسف (ع) الى صورتها لعلّه يرغب فيها كان لا ينظر إليها فدبّرت ذلك لعلّه يرى صورتها ويرغب فيها وأيضا لغاية محبّتها كانت لا تريد النّظر الّا الى جمال يوسف (ع) (وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) اسم فعل بمعنى أقبل أو بمعنى تهيّئت واللّام لتبيين الفاعل أو المفعول وقرئ هيت بضمّ التّاء وهيت بكسرها مثل حيث وجير ، وقرئ هيت بكسر الهاء وفتح التّاء ، وهئت مثل جئت بضمّ التّاء فعل ماض بمعنى تهيّئت (قالَ) في جوابها اعتذارا من عدم إجابتها مستعيذا بالله خوفا من ان يفتتن بصحبتها (مَعاذَ اللهِ) عذت بالله معاذا ولمّا كان في الاستعاذة اشعار بعدم الاجابة علّله بقوله (إِنَّهُ رَبِّي) انّ العزيز سيّدى اشتراني بثمن غال لا يليق بى الخيانة بأهله وحريمه ، أو انّ الله ربّى ربّانى من اوّل استقرار نطفتي ومادّة بدني في رحم أمّي فلا ينبغي مخالفته فيما نهى عنه (أَحْسَنَ مَثْوايَ) أظهر وصفا آخر مقتضيا لقبح الخيانة ، ونسبة الإحسان الى المثوى كناية عن إكثار الانعام ووفور الإحسان ، ومن أساء الى المحسن فهو ظالم والظّالم لا ينجو من العذاب الأليم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ذكر في الاعتذار ثلاثة أشياء : الرّبوبيّة وكثرة الإحسان وكون الخيانة ظلما خصوصا مع المنعم مع عدم فلاح الظّالم تعريضا بنصحها وردعها عمّا أرادت.
بيان العشق ومراتبها ومراتب الحبّ
اعلم ، انّه لا خلاف ولا شكّ في انّ زليخا تعشّقت يوسف (ع) ولم يكن مراودتها عن محض شهوة حيوانيّة وسفاد قوّة بهيميّة كما قال من لا خبرة له بالحقائق الالهيّة والصّفات الرّبوبيّة حيث نظر الى تهديدها له بالسّجن ورضاها بكونه في السّجن ، والحال انّ العاشق لا يمكنه تهديد المعشوق ويعدّ البلاء والملامة فيه من شعار عشقه ومستلذّات لوعته وموجبات ازدياد محبّته واشتعال شوقته ، بل الخلاف في انّ عشقها أكان سفليّا صارفا لها عن الجهة الانسانيّة العالية الالهيّة داعيا لها الى الحيوانيّة البهيميّة المقتضية للسّفاح والفجور لانّ مراودتها كانت لذلك لدلالة هيت وقولها (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) وقولها (لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَ) وقول يوسف (ع) (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) أم علويّا صارفا عن الجهة الحيوانيّة