سورة يوسف
بيان مراتب القلب
اعلم ، انّ أهل الله المكاشفين قالوا : انّ القلب تارة يطلق على معنى يشمل اللّحمة المودعة في أيسر الصّدر وتارة على مراتب الرّوح المتعلّق به وبهذا المعنى يقال : للقلب أطوار سبعة اوّلها الصّدر وهو محلّ نور الإسلام وظلمة الكفر كما في الكتاب الالهىّ ، وثانيها القلب وهو محلّ الايمان (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) ، (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، وثالثها الشّغاف وهو محلّ المحبّة الانسانيّة المتعلّقة بالخلق قد شغفها حبّا ، ورابعها الفؤاد وهو محلّ المشاهدة للأنوار الغيبيّة ما كذب الفؤاد ما رأى وخامسها حبّة القلب وهي محلّ المحبّة الالهيّة ، وسادسها سويداء القلب وهي محلّ المكاشفات والعلوم الدّينيّة ، وسابعها مهجة القلب وهي محلّ تجلّى الله بأسمائه وصفاته.
(إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) لانّها كانت قد خرجت من جادّة العقل وسهّلت على نفسها الشّين والعار واختارت عشق مملوك لها لا يلتفت إليها (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَ) قد مضى وجه اطلاق المكر على ذمّهنّ (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) للضّيافة وهيّأت مجلسا لائقا بشأن الملوك وسألت يوسف (ع) ان يخرج عليهنّ إذا سألت الخروج (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) احدّ ما يكون بعد الفراغ من الغذاء واعطت كلّ واحدة منهنّ اترجّا (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) بعد ما زيّنته بالالبسة الفاخرة وأنواع ما يتزيّن به (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بحيث لم يبق لهنّ شعور بانفسهنّ ومحين في جماله ، وقيل : اكبرن بمعنى حضن فانّ الإكبار ورد في اللّغة بهذا المعنى لانّ الحيض علامة دخول المرأة في الكبر كالاحتلام للمرء يعنى من غلبة الوله أو من غلبة الشّبق حضن (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) جرحنها جرحا كثيرا (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) كلمة تعجّب وحاش حرف نزّل منزلة المصدر اى تنزيها لله وعلى هذا فاللّام للتّبيين مثل لام سقيا لك ، أو للقسم سواء جعل حاش كلمة برأسه أو كان أصله حاشا خفّف ألفه الاخيرة ، وقيل : أصله حاشا فعلا خفّف بحذف الالف من الحشى بمعنى النّاحية والفاعل ضمير يوسف (ع) واللّام للتّعليل والمعنى تنحّى يوسف عن التّلوّث لله أو لتبيين المفعول والمعنى نزّه يوسف الله والفعل لازم والفاعل هو الله واللّام لتبيين الفاعل ، أو اللّام للقسم سواء جعل الفعل لازما أو متعدّيا وفاعل الفعل ضمير يوسف (ع) ، وقرئ حاشا الله فعلا لازما والله فاعله وحاشا لله بتنوين حاش حرفا منزّلا منزلة المصدر أو منزلة أسماء الأصوات ، أو بجعله اسم صوت ولام لله حينئذ تكون للتّبيين أو للقسم (ما هذا بَشَراً) جرين على عادة العرف من نفى البشريّة عمّن يبالغون في كماله يعنى انّه فوق البشريّة في جماله ولم يردن نفى البشريّة حقيقة ، أو أردن ذلك حقيقة (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) هذا أيضا على عادة العرف من إثبات الملكيّة لمن يبالغون في كماله (قالَتْ) اعتذارا عن افتتانها به ودفعا لملامتهنّ أو تفاخرا بعشقه أو جوابا عن سؤالهنّ لانّهنّ بعد مشاهدة جماله وقطع ايديهنّ قلن : يا زليخا من هذا الّذى أريتناه؟ ـ قالت في جوابهنّ (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) يعنى انّ الملامة ليست في موقعها لانّ جماله اقتضى الافتتان به ولا يمكن الصّبر عنه (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ) بعد ما رأى انّ مدافعتهنّ أصعب شيء له (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ) واتنزّل من مقام العلم والعقل (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) السّاقطين في مقام الجهل أشرك النّسوة مع زليخا في استدعائه الخلاص