وكفرهما ليكون اشدّ تأثيرا وأقرب قبولا وأوقع في نفوسهما (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) أضاف الملّة الى آبائه اشارة الى علوّ نسبته بانتسابه الى من كان ذا ملّة وصاحب شريعة وصرّح بأسمائهم لكونهم مشهورين بعلوّ الشّأن وشرافة الرّتبة ومقبولين عند الكلّ خصوصا إبراهيم (ع) لذلك ، وبعد ما عرّفهم نسبه وانّه (ع) من أهل بيت النّبوّة والشّرف اثبت لهم مذهبه وانّه التّوحيد وعرّض بذمّ مذهبهما وانّه خلاف مذهب الأنبياء (ع) والاشراف فقال (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) شيئا يسيرا من أصناف الإشراك كالاشراك في الوجوب كاشراك أكثر الثّنويّة القائلة بانّ للعالم مبدئين قديمين واجبين النّور والظّلمة أو يزدان واهريمن ، وكاشراك الزّنادقة من الدّهريّة والطّبيعيّة القائلة بانّ الدّهر أو الطّبع واجب ومبدء فانّ هذا القول اشراك بحسب نفس الأمر ، وكالاشراك في الآلهة كاشراك بعض الثّنويّة القائلة بوحدة الواجب تعالى وألهته المبدئين ، وكاشراك الصّابئة القائلة بالهة الكواكب وتربيتها لعامل العناصر ومخلوقيّتها للحقّ الاوّل تعالى على كثرة مذاهبهم ، وكاشراك أكثر من قال بسلطنة الملائكة أو الجنّة على اختلاف طرقهم ، وكالاشراك في العبادة كاشراك الوثنيّة وعابدى العناصر ومواليدها من الأحجار والأشجار والحيوان ، وكالاشراك في الطّاعة كاشراك من أطاع السّلاطين والحكّام والأغنياء والشّياطين والأهواء ومنتحلي العلم والامامة والفتيا من غير اذن واجازة من الله ولا ممّن اجازه الله كالرّهبان والأحبار ومترأّسي الملّة والطّريق من كلّ ملّة وطريق ، وكالاشراك في النّبوّة كاشراك من بايع من ليس نبيّا ولا خليفة له بيعة عامّة نبويّة ، وكالاشراك في الولاية كاشراك من بايع من ليس بولىّ بيعة خاصّة ولوية ، ولمّا كان هذا الإشراك مستلزما لما سبق من أنواع الإشراك وبتوحيد الولاية يحصل جملة أنواع التّوحيد كما لا يخفى على العارف بالولاية ، وانّها لا تحصل الّا بما قرّر من الائمّة (ع) فسّر الإشراك في أكثر الآيات بالاشراك في الولاية في أخبارنا المعصوميّة ، وكالاشراك في الوجود قالا أو حالا أو شهودا وقلّما ينفكّ الإنسان عن هذا الإشراك والى هذا الإشراك أشار تعالى بقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) فأشار (ع) بقوله من شيء الى نفى جملة أنواع الإشراك سواء جعل من شيء مفعولا مطلقا كما مضى أو مفعولا به وهو تعريض بهما وبقومهما لانّهم أشركوا أكثر أنواع الإشراك ، ولمّا لم يمكن الخروج من جملة أنواع الشّرك الّا بالفناء التّامّ الّذى هو الفناء عن الفناء وكان هذا الفناء بحيث ان كان بعده بقاء لم يكن البقاء الّا بالنّبوّة والرّسالة والخلافة وكان الكلّ من شعب فضله تعالى ، كما انّ الولاية الّتى هي أصل تلك رحمته وكان النّبوّة وتاليتاها كما انّها فضل على الموصوف بها فضلا على من كان الموصوف فيهم ومبعوثا عليهم قال (ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) لانّهم لا يعرفون قدر النّبوّة ولا يقومون بواجب حقّها بل يعرضون عنها ويجحدونها (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) الاضافة لأدنى ملابسة سواء كان المراد صحابة يوسف (ع) في السّجن أو صحابة نفس السّجن (أَأَرْبابٌ) متكثّرون والتّعبير بالأرباب تعبير بما اعتقدوه ليكون ادخل في النّصف (مُتَفَرِّقُونَ) غير قاهرين بعضهم لبعض وجمع العقلاء أيضا لموافقة اعتقادهم (خَيْرٌ) افعل التّفضيل للمداراة والنّصف أيضا (أَمِ اللهُ) لم يصرّح بربوبيّته لتسليم الخصم أو ادّعاء تسليمه وانّه ممّا لا ينكر (الْواحِدُ) مقابل المتكثّرين (الْقَهَّارُ) مقابل المتفرّقين (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً) قد مضى انّ ما سوى الله من الملئكة بأصنافهم والطّبائع ومواليدها والاناسىّ وصنائعهم كلّها أسماء لله تعالى وانّ الاسم لا حكم له ولا نظر اليه وانّ النّظر