الى الاسم والحكم عليه لا يتصوّر الا إذا جعل مسمّى مستقلا وثانيا للمسمّى وانّه شرك بالله ، وانّ النّاقصين لمّا لم يمكن خروجهم من حدّ الإشراك في الوجود اذن الله لبعض الأسماء ان يجعلوها مسمّين منظورا إليهم كالأنبياء وأوصيائهم (ع) وانزل الله لهم سلطانا على جواز جعلهم مسمّين من دلائل صدق دعواهم ولذا قال : ما تعبدون من دونه الّا أسماء لا مسمّين (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) على مقتضى بشريّتكم النّاقصة وقد مضى في سورة الأعراف في نظير الآية وفي سورة البقرة في بيان قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) وفي بيان (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من سورة الفاتحة تحقيق تامّ للاسم وكيفيّة اسميّته ومسمّويّته (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) لفظة الباء تحتمل السّببيّة والمصاحبة والظّرفيّة ، والمراد بالسّلطان امّا الحجّة من المعجزات الدّالّة على جواز طاعتها وعبادتها أو السّلطنة والتّصرّف في الأشياء وكلتاهما كانتا للأنبياء وأوصيائهم (ع) فانّهم وان كانوا أسماء لكن انزل الله معهم حجّة دالّة على جعلهم مسمّين ومنظورا إليهم وانزل معهم سلطنة وتصرّفا مصحّحة لطاعتهم وربوبيّتهم كما لا يخفى (إِنِ الْحُكْمُ) في العالم أو في حقّ العباد (إِلَّا لِلَّهِ) فلا حكم ولا سلطنة في شيء لاربابكم (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا) ان مصدريّة أو تفسيريّة والفعل نهى أو نفى (إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ) التّوحيد من توحيد الله في الوجود المستفاد من حصر المعبودات من دونه مع انّها أشرف الموجودات في نظرهم في الاسميّة والاسم لا استقلال له في الوجود كالمعنى الحرفىّ الغير المستقلّ في لحاظ الّذهن وتوحيده في الآلهة والسّلطنة المستفاد من قوله (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وتوحيده في استحقاق العبادة المستفاد من قوله (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) ، وقد ذكر التّوحيدات الثّلاثة مترتّبة بحسب ترتّبها في نفس الأمر فانّ توحيد الوجود يستعقب توحيد الآلهة وهو يستعقب توحيد العبادة (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الّذى لا عوج فيه وكلّ ما كان غيره فهو معوجّ لا ينبغي ان يتّبع فانّه مفهوم الحصر المستفاد من تعريف المسند (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) استدراك لما يتوهّم من انّه لا وجه للاشراك بعد الوضوح التّوحيد وبطلان الشّرك هذا الوضوح فما بال المشركين يشركون؟! ولعلّه كان لهم دليل وحجة فاستدرك وقال : لا حجّة لهم ولكنّهم ليس لهم علم وانّهم ساقطون في دار الجهل كالبهائم الّتى لا ستشعر بالبرهان وان كان أوضح ما يكون ، والتّقييد بالأكثر لانّ بعضهم يتفطّنون بالحجّة ويتّبعونها ويختارون التّوحيد وبعضهم يتفطّنون بها ويختارون الدّنيا ويعاندون الحقّ عن علم ، ولقد أجاد (ع) في الدّعوة بالموعظة الحسنة اوّلا والحكمة اليقينيّة البرهانيّة ثانيا ، فانّه لمّا رأى وثوقهما به واقرارهما بحسن سريرته وعلمهما بكونه عالما بتعبير الرّؤيا ادّعى ذلك العلم اوّلا بقوله (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) وثانيا بقوله (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وأسند ذلك الى تعليم الله رفعا لوصم الكهانة والتّعلّم من البشر والجنّة والشّياطين ، ثمّ علّل ذلك العلم الّذى رأى اقرارهما به بترك ملّتهما تنفيرا لهما عنها ثمّ ورّى عنهما بذكر قوم منكر موصوف بعدم الايمان بالله تعريضا بهما ليكون ابعد عن الشّغب وأقرب الى القبول وباتّباع ملّة المعروفين بالصّلاح والسّداد مع انتسابه الصّورىّ إليهم وبنفي الإشراك عنهم تعريضا بها وبتسميته ذلك فضلا من الله عليه وعلى النّاس ، وصرّح بعدم معرفة النّاس لقدرتك النّعمة وعدم شكرهم لها تعريضا بهما ، ثمّ لمّا رأى تأثّرهما بوعظه أعرض عن الخطابة وأقبل على الحكمة والبرهان بقولهء أرباب متفرّقون ووصف الأرباب بالكثرة والتّفرّق الدّالّ على عدم انقياد بعضهم لبعض الّذى هو سبب النّزاع والفساد الواضح اشارة الى علّة انكار ربوبيّتهم ثمّ وصف الله بالوحدة اشارة الى جواز ربوبيّته ثمّ بالقهر اشارة الى وجوب طاعته فأبطل ربوبيّة الأصنام وأثبت لزوم طاعة الله بالبرهان ثمّ اقبل على تزييف معبوداتهم وعدم استقلالها في الوجود