فضلا عن الرّبوبيّة واستحقاق العبادة وعلى التّصريح بتوحيد الله في الآلهة والسّلطنة وتوحيده في العبادة بعد التّلويح الى التّوحيد في الوجود ، قيل : آمن بالله تعالى بدعوته المذكورة الصّاحبان السّائلان منه تأويل رؤياهما وجمع آخر من المسجونين والسّجّانين (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) الّذى يرى أنّه يعصر خمرا (فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) وهو الّذى كان قبل إدخاله السّجن صاحب شرابه (وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) وهو الّذى كان قبل إدخاله السّجن صاحب غذائه ، قيل : انّهما ما رأيا شيئا وامتحناه بذلك ، وقيل : انّهما رأيا رؤياهما ، وقيل : انّ صاحب الشّراب رأى وكان صادقا ، وصاحب الغذاء ما رأى شيئا وكذب في رؤياه وقال بعد ذلك : ما رأيت شيئا وانّما أردت امتحانك فقال في جوابه (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) رأيتما أو ما رأيتما (وَقالَ) يوسف (ع) (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) نقل انّه لمّا قال ذلك نزل جبرئيل (ع) وقال : ربّك يقرئك السّلام ويقول : من حبّبك الى أبيك؟ ـ فقال : ربّى ، فقال : من أنجاك من الجبّ؟ ـ قال : ربّى ، فقال : من حبّبك الى العزيز حتّى أكرم مثواك؟ ـ قال : ربّى ، فقال : من انجاك عن كيد النّساء وعصمك عن الفحشاء؟ ـ قال : ربّى ، فقال : ربّك يقول : اما استحييت منّى التجأت الى غيري؟ ـ وقد كان ما بقي من حبسك الّا ثلاثة ايّام وبجرم الالتجاء الى غيري تمكث فيه سبعة أعوام وقد كان في السّجن خمسة أعوام قبل ذلك فصار مدّة مكثه فيه اثنى عشر عاما (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) اى انسى الشّيطان صاحب الشّراب ذكر يوسف (ع) عند الملك أو انسى الشّيطان يوسف (ع) تذكّر الله (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) بعد ما كان قد لبث خمس سنين ونسب الى النّبىّ (ص) انّه قال : رحم الله أخي يوسف (ع) لو لم يقل اذكرني عند ربّك لما لبث في السّجن سبعا بعد الخمس ، والبضع ما بين الثّلاثة الى التّسعة وقيل فيه شيء آخر وهو من البضع بمعنى القطع ، قيل انّه وقع ليوسف (ع) ثلاث عثرات أوليها الهمّ الّذى وقع منه بالنّسبة الى زليخا فحبس بسببه في السّجن وثانيتها الالتجاء الى غيره فلبث بسببه في السّجن بضع سنين وثالثتها ما قال لإخوته انّكم لسارقون فأجابوه بكذب مثله ، فقالوا : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) من قبل ولمّا انقضى مدّة رياضته (ع) وحبسه وحان أوان سلطنته ووسعته ، رأى الملك انّه على سريره فخرج من النّيل سبع بقرات سمان أحسن ما يكون وجاءت الى جنب سريره ووقفت ثمّ خرج منه سبع بقرات أخر عجاف فجاءت الى البقرات السّمان فأكلتها ، ورأى انّه نبت في جنب سريره سبع سنبلات خضر ثمّ سبع سنبلات يابسات فالتّفت بالسّنبلات الخضر فاصفرّت ويبست ، فتنبّه الملك وأحضر الكهنة والمفسّرين والمنجّمين وقصّ الرّؤيا عليهم كما حكى الله (وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى) التّعبير بالمضارع لاحضار صورة الرّؤيا أو لانّه كان يرى هذه الرّؤيا مكرّرة أو لانّه رأى أجزاء الرّؤيا متدرّجة فادّاه بالمضارع تصويرا للحال الماضية حاضرة مشعرا بتكرّرها أو تدرّج رؤيتها (سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ) اكتفى بذكر أكل العجاف عن ذكر التواء اليابسات (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) وكأنّه كان في رؤياه أشياء أخر دقائق لا يمكن للمعبّر استنباط تعبيرها والّا فتعبير تلك غير خاف على المعبّر ولخفاء دقائقها (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) اى تلك الرّؤيا أضغاث أحلام جمع الضّغث وهو الحزم من النّباتات المختلفة أستعير للصّور المختلفة المختلطة من تخيّلات المتخيّلة ، فانّ