وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) قيل : كان ذهبا أو فضّة مكلّلا بالجواهر الثّمينة ولذلك وعدوا من جاء به حمل بعير من الغلّة مع انّها كانت غالية ولغلائها جعلوا مكيالها غاليا (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ قالُوا تَاللهِ) قسم لتأكيد الدّعوى (لَقَدْ عَلِمْتُمْ) تأكيد آخر استشهدوا بعلمهم على صدق الدّعوى لانّهم كانوا إذا دخلوا بلاد مصر جعلوا على أفواه رواحلهم اوكية لئلّا تدخل زراعاتهم كما قيل ، وقيل : ردّوا البضاعة المردودة إليهم الى الملك ظنّا منهم انّهم جعلوها فيها سهوا واشتهر بذلك أمانتهم وصلاحهم (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ قالُوا فَما جَزاؤُهُ) اى السّارق أو السّرق (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) هو جزاؤه تأكيد للقضيّة الاولى ولذا أتى بالفاء اشارة الى ابلغيّته في التّقرير ، أو من موصولة مبتدء أو شرطيّة وقوله فهو جزاءه خبره أو جزاء الشّرط ودخول الفاء على الاوّل لتضمّن المبتدء معنى الشّرط والجملة خبر جزاؤه (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) يدلّ هذا القول على انّ هذا كان من شريعة يعقوب (ع) لا انّهم قالوه اطمينانا وتجريّا ولا انّه كان دين الملك كما قيل (فَبَدَأَ) المؤذّن أو يوسف (ع) لانّهم رجعوا أو ردّوا الى العزيز بعد نسبة السّرقة إليهم (بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) لئلّا يرتابوا انّه كان من فعلهم (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ) الكيد الّذى هو إخفاء الصّواع وتفويض الحكم الى اخوته حتّى يحكموا باسترقاق السّارق موافقا لشريعة أبيهم (كِدْنا لِيُوسُفَ) وما يترائى من تخلّل اداة التّشبيه بين الشّيء ونفسه مدفوع بانّ ذلك مثل ان يقال : الإنسان كزيد بتخلّل الكاف بين الكلّىّ والجزئىّ (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) في طريقته وآداب سياسته (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقوله كذلك كدنا ليوسف رفع لتوهّم الخديعة من يوسف (ع) وانّه ينافي مقام النّبوّة (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) الى عليم لا عليم فوقه ، قيل : أخذ عمّال يوسف (ع) بيد بنيامين واسترقّوه فرجع اخوته ضرورة اليه ، وقيل : رجعوا اوّل المشاجرة اليه (قالُوا) لشدّة حزنهم وغيظهم (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) اشارة الى منطقة إسحاق (ع) الّتى ورثتها عمّته فربطتها في حقوه لتأخذه حبّا له ، وقيل انّ : ليان ابارا حيل امّ يوسف (ع) كان يعبد الأوثان وكان له صنم من الّذهب فأخذه يوسف (ع) خفية وأعطاه أمّه ترحّما على جدّه في استخلاصه من عبادة الصّنم ، وعلى أمّه في استخلاصها من الفقر ، وقيل : انّه كان يأخذ الطّعام من خوان أبيه ويعطيه الفقراء خفية ، وقيل : انّه أخذ شاة من أغنام أبيه وأعطاها فقيرا خفية ، والاوّل هو المروىّ عن ائمّتنا (ع) والمشهور عند أهل مذهبنا (فَأَسَرَّها يُوسُفُ) اى كلمة قد سرق أخ له من قبل ليعيّرهم بها ، أو اسرّ هذه الكلمة من حيث كذبها ، أو اسرّ كلمة أنتم شرّ مكانا فيكون من قبيل العود على ما تأخّر ويكون قوله قال أنتم شرّ مكانا بدلا منه ويكون المعنى اسرّ مقالة أنتم شرّ مكانا (فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) يعنى (قالَ) في نفسه (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) مرتبة ومنزلة اى حالا أو نسب الشّرّ الى المكان والمحلّ مجازا للمبالغة في وصفهم بذلك يعنى ان كان نسبة السّرقة الى أخيه صحيحة فأنتم شرّ منه حيث دخلتم في امر فيه أذى أبيكم النّبىّ (ع) من الله وان لم يكن في الشّرّ معنى التّفضيل فالمعنى واضح (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) من نسبة السّرقة الى يوسف (ع) ، ولمّا تذكّروا حال أبيهم وحزنه وعهدهم المؤكّد باليمين في ردّ بنيامين انقبضوا