بصدقهم اللّازم من أخبارهم تأكيدا ولذلك اكّدوه بانّ واللّام واسميّة الجملة وهو عطف على انّ ابنك سرق وتوسيط قوله واسئل القرية الى الآخر لاشعار بعلّة صدق ادّعاء الصّدق ، ويحتمل ان يكون وصيّة كبيرهم الى قوله واسئل القرية ويكون واسئل القرية من كلام الرّاجعين الى يعقوب (ع) حين المخاطبة معهم ويكون المعنى فرجعوا وقالوا لا بينهم انّ ابنك سرق فكذّبهم يعقوب (ع) فقالوا واسئل القرية (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) معنى ظاهره انّ إبني ما سرق وانّكم تكذبون وخدعتمونى في إذهابه ، كما انّ معنى هذه الكلمة كان في قصّة يوسف (ع) هكذا والحال انّهم ما خدعوا في بنيامين وما كذبوا في اتّهامه بالسّرقة وما سوّلت لهم أنفسهم في حقّه امرا ، ويعقوب (ع) كان نبيّا ولم يفرّق بين القضيّتين والجواب انّ المعنى بل سوّلت لكم أنفسكم في يقينكم بنسبة السّرقة اليه والحال انّه ما سرق أو سوّلت لكم أنفسكم وزيّنت إصراركم على إذهابه بمظنّة تكثير النّفع غافلا عن تقدير الرّبّ فجعلتمونى مضطرّا في الاذن وادخلتموه في الضّرر (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ) بثلاثتهم (جَمِيعاً) فانّ الصّبر مفتاح الفرج (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بعواقب الأمور ولعلّ الابتلاء بفراقهم كان خيرا لي ولهم (الْحَكِيمُ) في فعاله يفعل ما يقتضيه حكمته وهو تسلية لنفسه وتسهيل للصّبر على البلاء (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) رغبة في الخلوة والعزلة لغاية الحزن لمّا رأى انّ إقباله على أولاده واعتماده عليهم ذهب بثلاثة منهم تنبّه انّ الاعتماد على الغير يوجب التّضرّر وتولّى عنهم ولكن لمّا كان حبّ يوسف (ع) قويّا في قلبه لم يقو على التّسلّى عنه (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) كناية عن العمى ، وقيل عن كثرة البكاء لانّ الحدقة إذا اغرورقت في الدّمع تترائى مبيّضة (فَهُوَ كَظِيمٌ) بمعنى مكظوم اى مملوّ من الغيظ على أولاده أو من الحزن على يوسف (ع) أو بمعنى كاظم مثل الكاظمين الغيظ اى ممسك غيظه أو حزنه غير مظهر الّا الخير ، والفاء للسّببيّة المحضة مشعرة بسببيّة ما بعدها لما قبلها سببيّة ما قبلها لاعتقاد بما بعدها (قالُوا) بعد ما رأوا انّه ما زال يذكر يوسف (ع) بعد طول المدّة وكثرة البلايا لانّهم كانوا قد غلب عليهم القحط وطال مدّة فراق يوسف (ع) قريبا من ثمانين سنة أو سبعين أو أربعين أو اثنتين وعشرين أو ثماني عشرة (تَاللهِ تَفْتَؤُا) بحذف لا اى لا تفتؤ (تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) مريضا مشفيا على الهلاك (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي) بلائي من البثّ بمعنى الشّرّ (وَحُزْنِي) وما أتجرّعه من البلاء (إِلَى اللهِ) لا إليكم فدعوني وشأنى (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ) من قبل الله بايحائه الىّ حيوة يوسف (ع) ووصاله لي أو من رحمته وانّه لا يبتلى الّا ويأتى بعده بالفرج (ما لا تَعْلَمُونَ يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا) تفحّصوا (مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ) من فرجه (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) فخرجوا الى مصر في طلب إخوتهم (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ) على يوسف (ع) (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) المجاعة (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) رديّة غير عزيزة القيمة وكانت مقلا أو دراهم رديّة لا تنفق في ثمن الطّعام أو خلق الجوالق والحبل ورثّ المتاع أو الصّوف والسّمن اللّذين هما متاع العرب أو الصّنوبر وحبّة الخضراء أو اقطا أو النّعال والأدم (فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) كما أوفيت لنا سابقا (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا) بلا ثمن أو بأخينا بنيامين (إِنَّ اللهَ