ونعمته البالغة في حقّ الإنسان وتوسعته وبسطه بحسب مراتب العالم (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ) النّاشئة من الطّبع والنّفس الحيوانيّة (فِي أَعْناقِهِمْ) فلا يقدرون على ان يرفعوا رؤسهم فيشاهدوا مقامات الإنسان فيعلموا انّ فساد البدن لا يفنيه بل يقويّه (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعذاب والعقوبة (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يعنى دون الحسنة فانّه يستعمل تلك الكلمة في هذا المعنى كثيرا (وَقَدْ خَلَتْ) والحال انّه قد مضت (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) جمع المثلة بفتح الميم وضمّ الثّاء وفتحها بمعنى العقوبة من مثل بفلان نكّل والمعنى قد مضت العقوبات على الأمم الماضية الّذين صاروا أمثالا في الاشتهار ولا يعتبرون بها لغاية حمقهم وجهلهم ، وقرئ المثلات بفتح الميم وضمّ الثّاء أو سكونها ، وبضمّ الميم وضمّ الثّاء أو سكونها ، وبفتح الميم والثّاء ، ونسب الى أمير المؤمنين وامام المتّقين (ع) انّه قال : احذروا ما نزل بالأمم من قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال فتذكّروا في الخير والشّرّ أحوالهم واحذروا ان تكونوا أمثالهم (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) فلذا لا يجيبهم عن استعجالهم بالعذاب (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) إذا أخذ العباد (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بانّ كفرهم بالله ستر عنهم الآيات الدّالّة على صدقه فاقترحوا نزول آية من الآيات كأنّه لم ينزل عليه شيء من الآيات (إِنَّما أَنْتَ) بشأن الرّسالة لا بشأن الولاية (مُنْذِرٌ) فلا بأس عليك آمنوا أو لم يؤمنوا ، قبلوا أو لم يقبلوا ، وهو تسلية له (ص) عن عدم اجابة قومه (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) في عصرك ومن بعدك وقد مضى معنى الإنذار وانّ الرّسول كمن ينبّه من النّوم وينذر من المخاوف من كان في بادية لا طريق فيها الى عمران وكان فيها سباع كثيرة وحيّات مهلكة وموذيات قويّة ولم يشعر بضلالته وبمهلكات تلك البادية فاذا تنبّه وأنذر طلب لا محالة من يدلّه على طريق العمران ويخرجه من تلك البادية ، وذلك الدّالّ هو الهادي الّذى يوصله الى المعمورة (اللهُ يَعْلَمُ) استيناف كلام لإظهار كمال علمه وقدرته في مقابل الآلهة الّتى هي في كمال العجز والجهل ليكون حجّة على صحّة دعوته وبطلان دعوتها (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من كلّ نوع من الحيوان يعلم عدد المحمول وذكره وأنثاه وحسنه وقبيحه (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قد فسّر في الاخبار غيض الأرحام بنقصان عدد الايّام عن تسعة أشهر وبعدم الحمل ، وفسّر بمطلق النّقص سواء كان في عدد الايّام أو في الخلقة أو في نقص الرّحم بعدم الحمل أو في إسقاط الجنين قبل التّمام ، وعلى هذا يجوز حمل ما تحمل على مدّة تحمل فيها يكون ما مصدريّة أو موصولة (وَما تَزْدادُ) على تسعة أشهر أو مطلق الزّيادة في الخلقة أو في عدد الايّام أو في عدد المحمول بان يكون اثنين أو ثلاثة ، وقد ورد في الاخبار انّ المرأة ما رأت الدّم في ايّام الحمل يزداد عدد الايّام على تسعة أشهر بعدده (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) لا يتجاوزه ولا ينقص عنه (عالِمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن المدارك البشريّة (وَالشَّهادَةِ) ما يشهده المدارك أو عالم الغيب وعالم الشّهادة (الْكَبِيرُ) الّذى لا يوصف (الْمُتَعالِ) على كلّ شيء بعظمته (سَواءٌ مِنْكُمْ) في علمه (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) يعنى قول من اسرّ القول (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ) بارز (بِالنَّهارِ لَهُ) اى لله أو لمن اسرّ القول ومن جهر به (مُعَقِّباتٌ)