الّذى لا ثانى له القهّار الّذى لا انانيّة لشيء معه فما هذه الكثرات المشهودة؟ ـ فقال : انزل من السّماء ماء فظهر الكثرات فلا انانيّة ولا ظهور لشيء منها الّا بذلك الماء الّذى هو فعله بل هو هو لا غير والمقصود تمثيل ظهور الكثرات من امر واحد هو فعل الله وقوامها بذلك الأمر بنزول الماء الّذى هو حقيقة واحدة من الجهة الواحدة الّتى هي السّماء وتكثّره بتكثّر الاودية وظهور الزّبد الغير النّافع عليه (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) نسبة سالت الى الاودية مجاز (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً) مرتفعا على السّيل (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) ومن الفلزّات الّتى يوقد النّاس عليها النّار حالكونها في النّار (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) كما يصاغ من الذّهب والفضّة وغيرهما (أَوْ مَتاعٍ) ما يتمتّع به كالاوانى وآلات الصّنائع وغيرها (زَبَدٌ مِثْلُهُ) مثل زبد الماء يعنى انّ الزّبد الغير النّافع لا اختصاص له بالماء والسّيل بل يكون في الجوامد والفلزّات الّتى تذاب بالنّار ، والمقصود انّ الباطل لا اختصاص له بالتّعيّنات الامكانيّة الّتى هي كزبد الماء بل النّفوس البشريّة الّتى هي كالفلزّات في شدّة تراكمها وصلابتها تتحمّل زبد باطل الاهوية (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) يعنى انّ مثل ظهور الحقّ واختلاطه بالباطل مثل نزول الماء واختلاطه بالزّبد فالممثّل له بحسب مراتب الوجود يحتمل وجوها وكذا بحسب مراتب العلم اى الوجود الذّهنيّ. فنقول بحسب التّطبيق على الممثّل له ، انزل من سماء الأسماء ماء المشيّة فسالت اودية المهيّات بقدرها فاحتمل الماء السّائل في اودية المهيّات زبد التّعيّنات والتّكثّرات ، فامّا الماء الّذى هو حقيقة متحقّقة فيبقى ، وامّا الزّبد وان كان ساترا لوجه الماء ظاهرا في الانظار دون الماء بحيث لا يدرك القاصرون في الإدراك الّا ذلك الزّبد والتّعيّنات حتّى قالوا : انّ الوجود اعتبارىّ صرف وانّ المهيّات اصيلة في التّحقّق فهو باطل مضمحلّ متلاش كلّ شيء هالك الّا وجهه ، وانزل من سماء المشيّة ماء وجودات الأشياء فسالت اودية المهيّات الى الآخر ، وانزل من سماء العقول ماء وجود النّفوس وما دونها فسالت اودية النّفوس وعالم المثال وعالم الطّبع بقدرها الى الآخر ، وانزل من سماء عالم المثال ماء وجود عالم الطّبع الى الآخر ، هذا في الكبير ، وامّا في الإنسان الصّغير فنقول : انزل من سماء الأرواح ماء الحيوة فسالت اودية المدارك الحيوانيّة والمراتب النّباتيّة الى مقام الطّبع فاحتمل السّيل زبد الأخلاق الرّذيلة والاهوية الرّديّة والأفعال الّذميمة كما انّ الأخلاق الحسنة والاشواق الالهيّة والأفعال المرضيّة متحقّقة بذلك الماء ، وامّا بحسب العلم والّذهن وهو عين وخارج بوجه فنقول : انزل من سماء الولاية ماء النّبوّة والرّسالة فسالت اودية القلوب والصّدور بحسبها فبعض بحسب استعداد الاتّصاف بالنّبوّة والرّسالة وبعض بحسب استعداد قبول أحكامهما فاحتمل السّيل زبد مقتضى الأهواء من الآراء الباطلة والبدع العاطلة المختلطة بمرور الأزمان بأحكام الرّسالة والنّبوّة ومنه الزّيادة والنّقيصة والتّحريف في الكتاب الالهىّ ، أو انزل من سماء النّبوّة ماء الرّسالة أو من سماء الرّسالة ماء الأحكام الالهيّة ، أو انزل من سماء الرّوح ماء العلم فسالت اودية القلوب والصّدور فاحتمل السّيل زبد مداخلة الأهواء في العلم ، أو انزل من سماء القلب ماء العلم فسالت اودية الصّدر (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) مرميّا يرمى به السّيل (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) لانتفاع أهلها (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) كرّر ذكر كون الآية مثلا تأكيدا وتنبيها على انّها بظاهرها ليست مقصودة ومنظورا إليها بل المراد بيان حال الحقّ والباطل بالتّمثيل بأمر حسّىّ (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) متعلّق بيضرب الأمثال اى يضرب الأمثال لحال هؤلاء وهؤلاء