سورة إبراهيم
مكّيّة الّا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) (الى قوله) (وَبِئْسَ الْقَرارُ)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات الكفر ، ولمّا كان الكفر ذا ظلمات كثيرة متباينة بحسب ما تنتزع الظّلمات منه جمع الظّلمات معرّفة باللّام ، بخلاف النّور فانّه حقيقة واحدة به وحدة المتكثّرات ولذا أفرده فقال (إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) في اخراجك حتّى يصير طاعتهم لك طاعة لله ولا يكون شركا بالله أو في خروجهم حتّى يكون اخراجك موافقا لاذن الله ومسبّبا عنه (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بدل من قوله الى النّور.
اعلم ، انّ الإنسان في اوّل خلقته طبع محض وله قوّة واستعداد بصيرورته نباتا ، ثمّ يصير نباتا بالفعل وحيوانا بالقوّة ، ثمّ يصير حيوانا بالفعل وإنسانا بالقوّة ، وما زال يشتدّ تلك القوّة الى أو ان التّميز الانسانىّ واستعداد ادراك الكلّيّات البديهيّة الّتى لا يدركها سائر الحيوان ، وحينئذ يحصل له انسانيّة ما بالفعل بحيث يصحّ اطلاق اسم الإنسان عليه ، وما زال يشتدّ ويتقوّى الى أو ان البلوغ والرّشد وتعلّق التّكليف به وحينئذ يصير إنسانا ممتازا عن الحيوان نحو امتياز أقوى من امتيازه السّابق ، لانّه حينئذ يدرك الخير والشّرّ الانسانيّين وطريق تحصيل الخير ودفع الشّرّ ، لكنّه لمّا لم يخرج بعد من تحت حكومة النّفس والنّفس لا ترى خيرا الّا ما يلائم قواها الشّهويّة والغضبيّة والشّيطانيّة ولا شرّا الّا ما يضادّ تلك القوى ، فهو وقع في ظلمة الطّبع والشّهوة والغضب والشّيطنة ومن كلّ ينشأ ظلمات بعضها فوق بعض ؛ فان ساعده التّوفيق ودخل تحت حكومة نبىّ بالبيعة العامّة أو ولىّ بالبيعة الخاصّة ينجيه ذلك النّبىّ أو الولىّ من حكومة النّفس ويخرجه تدريجا من ظلماته ، وان لم يدخل تحت حكومة خلفاء الله يبقى في تلك الظّلمات أبد الآباد ، أعاذنا الله منها. فارسال الرّسل وإنزال الوحي والأحكام عليهم ليس الّا لإخراج العباد بالتّدريج من ظلماتهم الّتى كانوا فيها الى نور القلب ومن جهنّام أنفسهم الّتى هي سنخ جهنّم الآخرة الى ذروة القلب الّذى هو سنخ جنان الآخرة ، والاذن في الإخراج عبارة عن امره تعالى