(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) قرئ بالنّون وبالياء والبناء للفاعل وبالتّاء والبناء للمفعول وبالتّاء والبناء للفاعل مفتوح التّاء أصله تتنزّل الملائكة (إِلَّا بِالْحَقِ) اى الّا مع الحقّ وإذا جاء الحقّ لم يبق منكم اثر لأنّكم باطلون ولا يبقى الباطل مع الحقّ ، وقد مرّ مرارا انّ الحقّ هو الولاية المطلقة وهي اضافة الحقّ الاوّل تعالى شأنه اضافة اشراقيّة وانّ كلّ حقّ فهو حقّ بحقّيّته ولذلك قال (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) ردّ عليهم في استهزائهم بذكر تنزيل الذّكر (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ولا ينافي حفظه تعالى للّذكر بحسب حقيقته التّحريف في صورة تدوينه فانّ التّحريف ان وقع وقع في الصّورة المماثلة له كما قال (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) في فرقهم والشّيعة هي الفرقة المتّفقة على طريقة واحدة (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ كَذلِكَ) الإدخال على سبيل الاستهزاء أو كذلك الاستهزاء (نَسْلُكُهُ) ندخل الذّكر أو الاستهزاء (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) حال عن المجرمين أو عن مفعول نسلكه ، أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر ، أو مفسّره للجملة السّابقة (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) اى سنّة الله في الاوّلين أو طريقتهم المستعقبة للعذاب في الدّنيا والآخرة (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا) لغاية عنادهم وتشكيكهم (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) منعت من الأبصار بالسّحر أو جعلت حيارى كالسّكارى (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) سحرنا محمّد (ص) ولذا نرى صعودنا في السّماء (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) امّا المراد بها البروج المشهورة الاثنى عشر أو منازل القمر أو درجات مسير الشّمس الثّلاث مائة والسّتّون ، وقد فسّر البروج بكلّ منها والبرج والقصر بمعنى ومن غرائب الحكمة وعجائب الصّنع انّ الفلك مع بساطته ممتاز بعض اجزائه عن بعض بخواصّ وآثار ، فانّ البروج الاثنى عشر وكذا المنازل الثّمانية والعشرون لكلّ اثر غير صاحبه كما علم بالتّجربة وأثبته المنجّمون في كتب الأحكام (وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) بالكواكب المنيرة (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) حفظ بروج سماء الأرواح من الشّيطان واضح فانّ الشّياطين لكون عالمهم عالم الظّلمة والملكوت السّفلى لو صعدوا الى عالم الأرواح لفنوا عن ذواتهم ، وامّا بروج سماء الطّبع فقد يتوهّم انّهم يمكن لهم الصّعود إليها لتسلّطهم على عالم الطّبع على الإطلاق ، لكنّ التّحقيق انّهم كما كانوا مطرودين من عالم الأرواح كذلك مطرودون من الأجسام العالية ، لانّها لعدم تركّبها عن المتضادّات وبساطتها وصفائها محالّ للملائكة المدّبرين ومتعلّقات للنّفوس العلويّة وللأرواح العاليّة ، فأجسام الأفلاك بذواتها وان كانت لا تأبّى لها عن اتّصال الشّياطين بها لكنّ الأرواح المتعلّقة بها تأبّى اتّصال الشّياطين بها (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) استثناء متّصل أو منقطع.
بيان ردع الشّياطين بتولّد عيسى (ع) ومحمّد (ص) عن السّماوات
(فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) محقه وأدركه ، والشّهاب شعلة نار ساطعة ويطلق عليه اسم الكواكب فيقال كوكب انقضّ السّاعة وتتولّد الشّهب في كرة الدّخان كما حقّق في محلّه ، وليست هي كواكب كما هو المشهور في العرف وليست الشّياطين تتأذّى بها لكون الشّهب من المادّيّات والشّياطين من الرّوحانيّات ، بل المراد بالشّهب القوى الرّوحانيّة المتضادّة للشّياطين الرّادعة لهم عن ساحة حضور الأرواح الطّيّبه المتصوّرة للبصائر