(عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى قريشا على ما روى انّها نزلت في موعد بدر الصّغرى وتثبّط القوم عن الخروج فخرج (ص) وما معه الّا سبعون رجلا (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) اى تعذيبا من الكفّار عطف على ما يستفاد من ذكر بأس الكفّار يعنى لهم بأس والله اشدّ بأسا أو حال عن الله أو عن الّذين كفروا ، ولمّا قال حرّض المؤمنين بعد الاشارة الى استغنائه عن الغير وكفاية الله له وامره بالقتال وحده صار المقام مناسبا لان يقال : ولم أمرت بتحريض المؤمنين؟ ـ أو صار المقام مقام ان يقال : الا ادلّ الكفار على الخير والا أنصحهم وكيف حال من نصحهم وما ينبغي ان يفعل المؤمنون بمن نصحهم؟ ـ فقال جوابا لذلك (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) فهو استيناف جواب لسؤال مقدّر واقع موقع التّعليل أو موقع بيان الحال ومعناه من ضمّ عملا حسنا الى عمل حسن آخر ، أو من ينضمّ الى صاحبه ويشاركه في عمل حسن ، أو من يصلح بين اثنين أو من يطلب ويسأل من غيره لصاحبه خيرا أو دفع ضرّا وترك عقوبة سواء كان ذلك من الخلق أو من الله أو من يدعو لصاحبه بخير من «شفع» إذا دعا له أو دعا عليه ، أو من يدعو صاحبه الى خير أو من يعين صاحبه على خير أو من يدلّ صاحبه على خير والكلّ يمكن ان يستفاد من هذه العبارة والكلّ صحيح (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) النّصيب والكفل الحظّ وما يعطى من القسمة لكن استعمال النّصيب فيما فيه حظّ صاحبه أكثر من استعماله فيما فيه تعبه والكفل بالعكس من ذلك (وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) توصيف الشّفاعة بالحسن والسّوئة باعتبار متعلّقها (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) مقتدرا أو حافظا لا يفوته شفاعة شفيع ولا كيفيّتها ولا قدرها (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) عطف على من يشفع الى آخر الآية وجواب آخر للسّؤال السّابق وهو ما يفعل المؤمنون بمن نصحهم وان كان هو في نفسه من الآداب المهمّة المحتاجة الى البيان لكن ادّاه بحيث يكون مرتبطا بسابقه ليفيد تأكيدا بتقدير السّؤال ، والتّحيّة في العرف هي التّسليم لكنّ المراد منها معنى اعمّ من التّسليم وهو إيصال الخير الى الغير بنحو الشّفقة والتّعظيم من تسليم ودعاء وثناء وتعظيم وهديّة ، وكتابة فيها تعظيم وشفقة وزيارة وغير ذلك ممّا يدلّ على عظمة المحيىّ في قلب المحيىّ ومحبوبيّته له ، لكن إذا كان لمحض الشّفقة والمحبّة لا للأغراض الّتى فشت بين أهل الرّسوم حتّى يتأنّف العالي ظاهرا عن التّسليم على الدّانى وينتظر تسليمه ويتأنّف عن زيارته بدوا الّا عوضا عن زيارته ، وهكذا الحال في غيرهما فما اشتهر بين الفرس من قولهم «ديد مستحبّ ؛ بازديد واجب» صحيح ان لم يكن مشوبا بالأغراض الفاسدة وان كان مشوبا فالزّيارة مذمومة وعوضها أيضا مذموم ، ولذلك ورد من زار أخاه المؤمن في بيته من غير عوض ولا غرض كان كمن زار الله في عرشه ، وخلوص اعمال أهل الدّنيا من الأغراض الفاسدة محال والمخالطة معهم مؤثّرة في النّفوس الضّعيفة ، فالاولى للسّالك مهما أمكن ترك مخالطتهم حفظا لنفسه عن استراق الأغراض منهم ، الّا ان تكون تقيّة لحفظ عرض أو مال أو نفس أو شفقة لاصلاح حال ، فانّها حينئذ تكون واجبة وان احتمل استراق النّفس. والمراد بردّها ليس ردّ عينها ان كانت من الاعراض الدّنيويّة فانّه لا يردّ الإحسان الّا الحمار بل ردّ مثلها مثلا إذا قال : سلام عليك ، فقال : سلام عليك فهو ردّها ، وان قال : سلام عليك ورحمة الله فهو أحسن ، واحسنيّتها اعمّ من ان تكون بالزّيادة عليها أو بتغيير هيئتها الى أحسن منها ، كما قال إبراهيم (ع) سلام في جواب الملائكة حين قالوا سلاما ، عدولا من النّصب الى الرّفع للدّلالة على الدّوام ، ويختلج ببالي ان أدون الرّسوم العاديّة والآداب المستحبّة ان وفّقني الله ان شاء الله ليكون السّالكون على بصيرة منها ، وإذا ارتكبوها لا يكون عن عمى وعادة