فأوجدنيه قال : فقال : يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله قوما من شيعتنا قبائع (١) سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون : بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم (ع) فيبلغ ذلك قوما من عدوّنا فيقولون يا معشر الشّيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون الى يوم القيامة قال فحكى الله قولهم فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) ، وبهذا المضمون اخبار كثيرة (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) تنزيله في رسول الله (ص) والّذين هاجروا معه وبعده الى المدينة والّذين هاجروا قبله الى الحبشة بعد ما آذاهم المشركون إيذاء كثيرا والّذين حبسوهم قريش بمكّة بعد هجرة رسول الله (ص) وآذوهم ثمّ هاجروا الى رسول الله ، ومعنى قوله في الله في طريق الله وهو الرّسول (ص) والامام أو الرّسالة والولاية والطّريق الموصل إليهما أو في طلب الله أو في ابتغاء مرضاة الله أو في طاعة الله ، ولمّا كان التّنزيل غير مختصّ بمن نزلت الآية فيه بل تعمّه وغيره ممّن هو متّصف بوصفه كانت الآية شاملة لكلّ من هاجر من وطنه الصّورىّ ابتغاء دين الله الى نبىّ أو ولىّ من بعد ما تأذّى بانقلابات الزّمان وأذى الإقران وتصرّفات الشّيطان ، وتأويله كلّ من هاجر من أوطان شركه النّفسانيّة كما قال (ع): المهاجر من هجر السّيّئات الى رسوله العقل ونبيّه القلب وإمامه الرّوح والكلّ دين الله وطريق الله ومظاهر الله ، والهجرات الثّلاث متعاقبة مترتّبة فانّ الهجرة تقع اوّلا من دار الشّرك النّفسانيّة الى دار الإسلام الصّدر ثمّ منها الى دار الايمان القلب ثمّ منه الى دار العيان الرّوح وعبارة اخرى تقع الهجرة من دار الشّرك الى الرّسول وقبول احكامه القالبيّة ثمّ منه الى النّبىّ وقبول احكامه القلبيّة ثمّ منه الى الولىّ وقبول وإرادته الرّوحيّة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا) دارا (حَسَنَةً) أو تبوئة حسنة أو حالا حسنة كما وقع في الصّورة للمهاجرين مع الرّسول (ص) إذ آواهم وعزّزهم أهل مدينة وكما وقع لجعفر وأصحابه إذ آواهم النّجاشى وعزّزهم ، وفي الباطن لكلّ من هاجر من دار النّفس الامّارة إذ يأوى الى دار الصّدر السّالمة من تنازع القوى النّفسانيّة وتحاسد المتحاسدين وإيذاء الموذين وهكذا ، وهذا أجر الدّنيا (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) وهو لقاء الرّحمن وجنّة الرّضوان (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) لو كان النّاس يعلمون ذلك لاختاروا الهجرة أو لما تثبّطوا أو لو كان الّذين هاجروا يعلمون لسرّوا بذلك أو ليتهم كانوا يعلمون فيتبادروا الى ذلك أو فيسرّوا بذلك (الَّذِينَ صَبَرُوا) بدل من الّذين هاجروا أو صفة له أو خبر مبتدء محذوف أو مفعول فعل محذوف (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) فلا غروفى كونك رجلا من جنسهم فانّك مثل الرّسل الماضين (نُوحِي إِلَيْهِمْ) وكان امتيازهم بالوحي كما انّ امتيازك بالوحي فانكارهم لرسالتك لكونك بشرا مثلهم انكار لرسالة جميع الرّسل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) الذّكر هو اضافة الحقّ الى الخلق وهي المشيّة والحقّ المخلوق به وهو حقيقة الولاية وخاتم الأولياء وهو علىّ (ع) هو المتحقّق بها ومظهرها التّامّ وسائر الأولياء (ع) مظاهر علىّ (ع) ومن اظلاله ، والنّبوّة الّتى هي المصباح مظهر الولاية والرّسالة الّتى هي كالزّجاجة مظهر النّبوّة ، وما في عالم الطّبع من بشريّة الرّسل والأنبياء والأولياء (ع) وكتبهم وأحكامهم القالبيّة والقلبيّة وسائر أجزاء عالم الطّبع الّتى هي كالمشكاة بتمامها مستنيرة بنور المصباح وذلك النّور هو ذكر الحقّ وتذكّره ، وأهل الذّكر تارة يطلق على من بتصرّفه الذّكر كالاولياء والأنبياء والرّسل (ع) وتارة يطلق على من أضيف اليه الذّكر وهو كلّ من قبل دعوة الرّسل (ع) والأنبياء الدّعوة الظّاهرة أو دعوة الأولياء (ع) الدّعوة
__________________
(١) قبيعة السّيف ، كالسقيفة ما على طرف مقبض السّيف من فضة أو حديد.