ولا يعاجلكم فانّ ربّكم لرؤف رحيم ، أو للسّببيّة لمحذوف من غير تقدير بشرط كأنّه قيل : لم لا يؤاخذهم؟ ـ فقال : لا يؤاخذ فانّ ربّكم لرؤف رحيم (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) يتقلّب ظلاله بتقلّبه (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ) توحيد اليمين وجمع الشّمائل للاشارة الى وحدة جهة اليمين في المعنى وكثرة جهة الشّمائل فانّ اليمين المعنويّة لكلّ شيء هي وجهته الالهيّة وشماله هي وجهته الخلقيّة والوجهة الالهيّة كثرتها منطوية في الوحدة والوجهة الخلقيّة وحدتها فانية في الكثرة (سُجَّداً لِلَّهِ) حال من ظلاله أو ممّا خلق الله ، وجمعه باعتبار المعنى (وَهُمْ داخِرُونَ) حال مترادفة مع سابقه أو متداخلة أو كلّ حال من ذي حال ، والدّخور الانقياد وجمعه بالواو والنّون لانتساب وصف الدّخور أو السّجود الّذى هو من أوصاف العقلاء إليهم ، أو لانّ الكلّ من حيث انتسابها الى الله عقلاء علماء.
اعلم ، انّ الضّالّ هو شاكلة الشّاخص الّتى تحدث من الشّاخص الكثيف إذا قابل شيئا منيرا في طرف مقابل للمنير وهي تتقلّب بتقلّب الشّاخص وتسكن بسكونه ولا اختصاص لها بما يقابل الشّمس ولا بما في عالم الطّبع بل تحصل من كلّ ما يقابل منيرا ، والمنير الحقيقىّ هو الله وفعله المعبّر عنه بالمشيّة ، وعالم العقول بالنّسبة الى المشيّة كالشّاخص ، وعالم النّفوس بالنّسبة الى العقول كالشّاخص ، والمثال بالنّسبة الى النّفوس ، وعالم الطّبع بالنّسبة الى عالم المثال ، وعالم الجنّة بالنّسبة الى عالم الطّبع ، فظلّ كلّ عبارة عمّا دونه من العوالم وسجود كلّ عبارة عن تسخّره لله تعالى شأنه وتذلّله له تكوينا ، ودخوره عبارة عن اتّباعه وحركته وسكونه على وفق إرادته ومشيّته والكلّ بالنّسبة اليه ذوو شعور وارادة وعلم. ولمّا كان لعالم الطّبع ظلّ نورانىّ كما يحدث من المرآة حين مقابلة الشّمس وينعكس منها الى جهة الشّعاع لا الى خلافه وهو المعبّر عنه بالمثال الصّاعد وظلّ ظلمانىّ كما يحدث من خلف المرآة وينعكس الى الجهة المخالفة للشّعاع وهو المعبّر عنه بالمثال النّازل والملكوت السّفلىّ وعالم الظّلمة ، وكانت الملكوت السّفلىّ محلّ الكثرات والاختلاف والتّغيّرات وكانت الشّمال تعبيرا عن هذه ، والملكوت العليا محلّ الوحدة واتّحاد المتكثّرات واجتماع المتغايرات وكانت اليمين تعبيرا عنها قال عن اليمين والشّمائل اشارة بوحدة الاوّل وجمع الثّانى الى جهة اتّحاد الاوّل وكثرة الثّانى (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) نتيجة لسابقه كأنّه قيل : ما في السّماوات وما في الأرض ظلّ لله تعالى وكلّ ظلّ ساجد منقاد لذي ظلّه كما هو مشهود من ظلال الأشياء ، فما في السّماوات والأرض ساجد داخر لله (مِنْ دابَّةٍ) بيان لما في السّماوات وما في الأرض على ان يكون الدّابة هي الّتى تتحرّك أو بيان لما في الأرض (وَالْمَلائِكَةُ) عطف على دابّة بطريق النّشر خلاف اللّفّ أو على ما في السّماوات والمراد الملائكة الّذين هم فوق السّماوات والأرض (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن عبادته (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) حال على سبيل التّرادف أو التّداخل أو مستأنف لبيان حالهم أو للتّعليل على عدم استكبارهم وفاعل لا يستكبرون امّا الملائكة أو جملة ما في السّماوات وما في الأرض والملائكة وليس المراد بالخوف ما هو من صفات النّفس ومنفىّ عمّن تخلّص من النّفس وصفاتها كما قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) بل المراد هو التّذلّل والانقباض الّذى هو حاصل لكلّ محاط بالنّسبة الى المحيط المعبّر عنه بالخشيّة والهيبة والسّطوه باعتبار مراتب الموصوفين ولذلك قيّده بقوله : من فوقهم سواء كان ظرفا مستقرّا حالا من ربّهم ، أو ظرفا لغوا متعلّقا يخافون اى يخافون خوفا ناشئا من فوقهم (وَيَفْعَلُونَ