ما يُؤْمَرُونَ) فانّ حالهم كحال القوى النّفسانيّة بالنّسبة الى النّفس الانسانيّة من حيث انّها لا تعصيها إذا كانت باقية على السّلامة الطّبيعيّة بل كحال الصّور الذّهنيّة بالنّسبة الى النّفس من حيث انّها لا وجود لها سوى وجود النّفس ، فحال الملائكة بل حال جميع الموجودات تكوينا كحال القوى والصّور الذّهنيّة وان كان حال الإنسان اختيارا غير حاله تكوينا لانّه يعصى ويتأبّى ممّا امر به ويزعم انّ له وجودا وفعلا بنفسه (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) لمّا كان الهين مشتملا على الجنس والعدد اكّده باثنين اشعارا بانّ النّهى عن الاتّخاذ انّما هو بالنّسبة الى العدد كما فعل الثّنويّة لا الى الجنس فانّ أخذ الإله مأمور به مع وصف الوحدة كما قال (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) اثباتا للجنس مؤكّدا بالوحدة ولم يقل : بل اتّخذوا إلها واحدا ؛ اشعارا بانّ كونه إلها ليس بجعل جاعل حتّى يؤمر بالاتّخاذ بل هو امر ثابت في نفسه أخذ أو لم يؤخذ (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) جواب شرط محذوف كأنّه قال : إذا كان الإله واحدا وانا ذلك الواحد فايّاى فارهبون يعنى ايّاى اتّخذوا إلها وارهبونى (وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) عطف في معنى التّعليل (وَلَهُ الدِّينُ) الدّين هاهنا الطّريق المؤدّى للسّالك فيه الى غايته (واصِباً) واجبا لازما حال من الدّين اى حالكونه لازما يعنى الدّين التّكوينىّ الفطرىّ بخلاف التّكليفىّ الاختيارىّ فانّه قد يكون للشّيطان ومنهيا للّسالك الى الشّيطان أو وصف للمفعول المطلق مؤكّدا لغيره اى له الدّين حقّا واصبا ، والدّين على هذا هو الطّريق الحقّ وعلى اىّ تقدير فالمقصود انّ الدّين الفطرىّ له أو الدّين الحقّ له فاجعلوا الدّين بحسب اختياركم له (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) عطف على محذوف اى أغير الله تتّخذون إلها فغيره تتّقون أو جواب شرط محذوف اى إذا كان الآلهة له وحدة فأغير الله تتّقون على ان يكون الهمزة على التّقديم والتّأخير (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) حال من الله أو من فاعل تتّقون (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) تتضرّعون يعنى أغير الله تتّقون والحال انّ النّعمة منه ولا دافع للمضرّة الّا هو والاتّقاء من الإله امّا للخوف من منع النّعمة أو إيصال النّقمة (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بدل ان يوحّدوه ويعظّموه لنعمة كشف الضّرّ (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة كشف الضّرّ وسائر النّعم يعنى يصير غاية اشراكهم ذلك (فَتَمَتَّعُوا) امر للتّهديد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) عطف على يشركون وبيان لاشراكهم (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) من اتّخاذ الآلهة والتّقرّب بهم الى الله وجعل النّصب من رزق الله لهم (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) وفيه افتراءان ؛ جعل الملائكة إناثا ، ونسبة التّوالد اليه تعالى (سُبْحانَهُ) عن نسبة التّوالد وهو للتّعجّب اله البنات (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) اى البنون (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى) جملة حاليّة (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) ساتر للغيظ أو مملوّ من الغيظ (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ) قائلا عند نفسه متفكّرا (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) وهوان من إمساكه (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) ليتخلّص من هوانه (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) من جعل النّصيب في رزق الله لغيره وجعل البنات له وجعل الملائكة إناثا وجعل البنين لأنفسهم (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ