الموتى يكفيها الخروج من العناد والدّخول في مقام الانقياد اكتفى فيها بالسّماع (وَإِنَّ لَكُمْ) ايّها المؤمنون أو ايّها النّاس (فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) استيناف أو حال وتذكير الضّمير هاهنا وتوحيده امّا لكون الانعام مفردا في معنى الجمع أو لرجوعه الى البعض وانّثه في سورة المؤمنون على اعتبار اللّفظ أو المعنى (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً) من الدّم والفرث وآثارهما (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) عن رسول الله (ص): ليس أحد يغصّ بشرب اللّبن لانّ الله يقول : (لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) ، وقوله (إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) خطابا للمسلمين أو للنّاس أجمعين وقع موقع انّ في ذلك لآية لقوم يؤمنون أو لقوم يشعرون (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) من ثمرات النّخيل امّا عطف على ما في بطونه بدون التّقدير ان كان نسقيكم مستأنفا أو على نسقيكم بتقدير نسقيكم ان كان حالا وحينئذ يكون تتّخذوا حالا أو مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر وامّا مستأنف متعلّق بتتّخذون ولفظة منه تكون حينذ تأكيدا للاوّل وامّا مبتدء وتتّخذون خبره بجعل من التّبعيضيّة لقوّة معنى البعضيّة فيها قائمة مقام الاسم المبتدء من دون تقدير أو بتقدير موصوف محذوف أو بجعله اسما مبتدء بنفسه اى بعض من ثمرات النّخيل تتّخذون منه اى من ذلك البعض ، وافراد الضّمير امّا باعتبار تقدير مضاف قبل الثّمرات أو بلحاظ معنى البعضيّة في من والمراد بالسّكر الخمر ولا ينافي حرمتها ذكرها في مقام الامتنان لانّ حرمتها شرعيّة وكونها نعمة امر عرفيّ عقلىّ ، على انّ فيها منافع باستعمالها من غير شرب لها ، ولمّا دلّ الامتنان بها على إباحتها ورد في الخبر : انّها منسوخة بآية حرمة الخمر ، وقيل : فيها أشياء أخر لكنّ الإتيان بقوله (وَرِزْقاً حَسَناً) بعده يدلّ على انّ المراد به الخمر وانّها غير حسن (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) لا يكفى فيه السّماع والايمان وان كان لا يحتاج الى استعمال المفكّرة (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) وحي الهام فطريّ تكوينىّ بمعنى انّه أودع في وجوده التّدبير الّذى يعجز عن مثله العقلاء فانّ تدبير بيوتها مسدّسة مثلا صفّة بحيث لا يكون بينها فرجة ، ونظامها في خروجها ودخولها في طاعة يعسوبها ، وعدم وقوعها على الأشياء المنتنة امر يتحيّر فيه العقلاء ، ولمّا كان الآية شاملة بجميع المراتب من التّنزيل والتّأويل كان الوحي بالنّسبة الى الأنبياء (ع) على معناه الّذى هو الإلقاء بتوسّط الملك ، وبالنّسبة الى الائمّة والأولياء (ع) التّحديث والإلهام ، وبالنّسبة الى النّحل الصّوريّة إيداع قوّة بها يقع هذا النّحو من التّدبير (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) من الكروم الّتى يعرشونها ومن السّقوف الّتى يرفعونها (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) لطيفها وخالصها (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ) الّتى ألهمك سلوكها الى البيوت ، أو فاسلكي السّبل الّتى ألهمك لعمل العسل ، أو فاسلكي سبل ربّك من البيوت الّتى هي مسالك لادخال العسل (ذُلُلاً) حالكون السّبل ذلك يسهل السّلوك فيها بتسهيل الله أو حالكونك منقادة لأمر ربّك (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) وهو العسل باختلاف ألوانه بالابيضاض والاصفرار والاحمرار والاسوداد (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) منفردا أو منضّما الى غيره لمبرودى المزاج ومحروريه والعجب انّه يخرج من محلّ السمّ ما فيه شفاء ، وفي الخبر : نحن والله النّحل الّذى اوحى اليه ان اتّخذى من الجبال بيوتا أمرنا ان نتّخذ من العرب شيعة ، ومن الشّجر يقول من العجم وممّا يعرشون يقول من الموالي ، والّذى يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه اى العلم الّذى يخرج منّا إليكم ، وفي رواية اخرى :