عبادتنا جالبة لمقتضى اهويتكم (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) الاستسلام والانقياد (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الآلهة والشّركاء واستحقاقهم العبادة والشّفاعة والنّصرة (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) كفروا بالله أو بالرّسول أو بالولاية ومنعوا الغير عن الولاية أو اعرضوا عنها (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) لكفرهم وصدّهم (بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) في ارض وجودهم وفي ارض عالم الطّبع بمنع القوى عن الرّجوع الى القلب ومنع النّاس عن الرّجوع الى صاحب القلب (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) لمّا كان هذه الآية تأكيدا لسابقتها فصّلها وأجمل الاولى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) كتاب النّبوّة والقرآن صورته واحكام القالب والقلب أيضا صورته ، ولمّا كان النّبوّة مقام الجمع بعد الفرق وتفصيلا للوحدة الاجماليّة واجمالا للكثرة كان فيه بيان كلّ شيء وظهوره ولذلك قال (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً) الى الولاية والايمان القلبىّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَرَحْمَةً) لانّ النّبوّة لكونها صورة الولاية رحمة بكون الولاية رحمة (وَبُشْرى) بشارة الى مراتب الولاية (لِلْمُسْلِمِينَ) البائعين بالبيعة العامّة أو المنقادين المشار إليهم بقوله أو القى السّمع وهو شهيد.
بيان العدل
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) العدل التّوسّط بين طرفي الإفراط والتّفريط في جملة الأمور ، أو وضع كلّ شيء موضعه ، وهو يحصل بمعرفة تفاصيل الأشياء بمراتبها ومقاماتها ودقائق استحقاقاتها بحسب تعيّناتها وإعطاء كلّ ما تستحقّه بحسب اقتضاء طبائعها في التّكوينيّات واقتضاء افعالها في التّكليفيّات وهو يقتضي السّياسات واجراء الحدود والأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر وتهديد المعرض وترغيب الرّاغب وهذا شأن الصّدر والقلب من جهتهما الخلقيّة حالكونهما مستنيرين بنور الرّسالة والنّبوّة بالاتّصاف بهما أو بالاتّصال بهما ولذلك فسّر العدل في أخبارنا بمحمّد (ص) لاختصاص النّبوّة والرّسالة به (ص) في زمان التّخاطب وصحّ تفسيره بالنّبوّة والرّسالة وبوضع كلّ شيء موضعه وبالتّوسّط بين الإفراط والتّفريط في جملة الأمور (وَالْإِحْسانِ) الإحسان امّا بمعنى صيرورة الإنسان ذا حسن أو بمعنى إيصال المعروف مع إغماض النّظر عن الاستحقاق ، والمناسب هاهنا المعنى الثّانى لاعتبار الاضافة الى الغير في العدل وفي إيتاء ذي القربى ولكونه بعد العدل الّذى هو اعتبار الاستحقاق في الإعطاء ، والإحسان بهذا المعنى شأن الرّوح والقلب من جهته الرّوحيّة وهو شأن الولاية ، ولذلك فسّر في الاخبار بعلىّ (ع) وصحّ تفسيره بالولاية من حيث الاتّصاف بها أو من حيث الاتّصال بها (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) تخصيص بعد تعميم للعدل والإحسان باعتبار المتعلّق لاختصاص ذي القربى بمزيد رجحان ، وذو القربى اعمّ من القرابات الرّوحانيّة والجسمانيّة في العالم الكبير والعالم الصّغير كما انّ متعلّق العدل والإحسان اعمّ ممّا في العالم الكبير والصّغير ، ولمّا كان المستحقّ لأداء امانة الخلافة أصل ذوي القربى ، ورد انّ المراد أداء امام الى امام (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) الفعل الّذى يعدّه العقلاء اى أصحاب الشّرع فاحشا من غير اعتبار التّعدّى الى الغير مقابل العدل (وَالْمُنْكَرِ) اى الفعل المتعدّى الى الغير الّذى يعدّه الشّارعون قبيحا ضدّ المعروف مقابل الإحسان (وَالْبَغْيِ) التّطاول على النّاس أو الخروج من طاعة العقل وعدم الانقياد لذي القربى مقابل إيتاء ذي القربى خصوصا على تفسير ذي القربى بأئمّة الهدى (ع) (يَعِظُكُمْ) ينصحكم ويبيّن ما ينفعكم ويضرّكم (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قيل