لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه انّه تبيان كلّ شيء (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) عطف على انّ الله يأمر بالعدل فانّه في معنى اعدلوا ، وعهد الله هو العهد المأخوذ في البيعة العامّة النّبويّة الاسلاميّة أو البيعة الخاصّة الولويّة الايمانيّة (إِذا عاهَدْتُمْ) التّقييد به نصّ على انّ هذا العهد امر واقع في دار التّكليف وليس المراد ما وقع سابقا في الّذرّ كما يفسّر به العهود المطلقة في القرآن وتنبيه على انّ الوفاء بالعهد لا يتصوّر ما لم يقع صورته في دار التّكليف ، والمراد بالوفاء بالعهد الوفاء بشروطه الّتى تؤخذ على المعاهد حين البيعة ، والمراد بقوله (أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) هو هذا العهد وشروطه ، وتسمية ذلك عهد الله لانّه عهد مع من اذن الله له في أخذ العهد عن عباده واليه أشار بقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) بطريق الحصر اشعارا بانّ الواسطة لا حكم له وانّما الحكم لذي الواسطة فقط (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) المراد بالايمان هي العهود المأخوذة بالبيعة ، وتسميتها ايمانا لحصولها بالايمان كسائر المبايعات (بَعْدَ تَوْكِيدِها) يعنى لا تنقضوا البيعة النّبويّة بعد توكيدها بالبيعة الولويّة فانّ البيعة الاسلاميّة إذا لم تؤكّد بالبيعة الايمانيّة كان في نقضها توبة وتقبل توبة ناقضها لأنّه كاشف في الأغلب عن الارتداد الملّىّ ، وامّا البيعة الايمانيّة فلا تقبل توبة ناقضها لانّه كاشف في الأغلب عن الارتداد الفطرىّ وهو مبالغة في نهى من يبايع عليّا (ع) في الغدير عن نقض بيعته بعد ما بايع محمّدا (ص) بيعة اسلاميّة ولقد اكّد تلك البيعة نفسها أيضا بان امر النّبىّ (ص) الخلائق بالبيعة مع علىّ (ع) في ذلك اليوم ثلاث مرّات ، وفي خبر ولقد عقد محمّد (ص) عليهم البيعة لعلىّ (ع) في عشرة مواطن ، وقد فسّرت الآية في الاخبار ببيعة غدير خمّ (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) تعديته بعلى لتضمين معنى المراقبة اى جعلتم الله رقيبا عليكم بواسطة كفالته لأموركم في تلك البيعة المؤكّدة بالبيعة الولويّة ، وفيه اشارة الى انّ بائع البيعة الولويّة كان الله كفيلا لاموره فليكل الأمور اليه ورقيبا عليه فليحذر الفسوق بعده كما قال : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ)(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) جواب سؤال عن العلّة أو عن حال الله معهم (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) واستحكام للفتل (أَنْكاثاً) جمع نكث بالكسر وهو امّا حال من الغزل لانّه مصدر بمعنى المفعول في معنى الجمع أو أنكاثا جمع في معنى المفرد بحسب الاستعمال لانّه يقال حبل أنكاث ، وامّا مفعول ثان لنقضت بتضمين معنى صيّرت وهو تشبيه تمثيلىّ لحال من بايع البيعة الاسلاميّة فانّ البيعة الاسلاميّة كالخيط المغزول الموصول من البائع الى من بايع معه بل الى الله ، ثمّ اكّد تلك بالبيعة الايمانيّة فانّها مثل استحكام الخيط المفتول بفتل آخر ثمّ نقض البيعة فانّ نقضها مثل نقض فتل الخيط بحال امرأة غزلت وأتعبت نفسها في غزلها واستحكامه ثمّ نقضت غزلها في تحمّل المتاعب وعدم الانتفاع بالغزل ، وفي الخبر انّ الّتى نقضت غزلها كانت امرأة من بنى تميم يقال لها ريطة كانت حمقاء تغزل الشّعر فاذا غزلته نقضت ثمّ عادت فغزلته فقال الله كالّتى نقضت غزلها (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ) عهودكم الّتى أخذت منكم في البيعتين (دَخَلاً بَيْنَكُمْ) حال من اسم لا تكونوا أو استيناف جواب لسؤال مقدّر لقصد ذمّهم على حالهم هذه ، والدّخل محرّكة الفساد في العقل والجسم والمكر وما داخل الشّيء وليس منه ، والرّيبة ؛ والكلّ مناسب هاهنا (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) كراهة ان تكون أمّة هم علىّ (ع) واتباعه اربى من أمّة هم مخالفوهم ، أو لأن تكون أمّة هم قريش اربى من أمّة هم محمّد (ص) واتباعه ، الأربى الأرفع سواء كان في العدد ، أو في المال ، أو في القوّة ، أو في الجاه (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ)