بإسماعيل (ع) وإسحاق (ع) فصاروا ثلاثة ولذلك قال : انّ إبراهيم (ع) كان أمّة ولو كان معه غيره لأضافه اليه (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهو تعريض بقريش لانّهم زعموا انّهم على دين إبراهيم (ع) (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) الحسنة في الدّنيا هو الاطمينان بذكر الله والانس بالله بحيث لا يكون شيء من قضاء الله مكروها عنده ويستتبع ذلك سهولة المخرج والالتذاذ في الطّريق الى الله ومحبّة النّاس وحسن الصّيت وطيب العيش والتّمتّع بالأولاد والبركة بالكثرة والسّلامة من آفات الآخرة في الأعقاب وقد كان كلّ ذلك لإبراهيم (ع) (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) الّذين لا فساد في وجودهم وهم الّذين حصّلوا جميع ما يمكن للإنسان من الكمالات (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يا محمّد (ص) (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الملّة هي صورة احكام القالب مرتبطة بأحكام القلب مأخوذة من صاحب احكام القلب والقالب كما انّ النّحلة هي تلك الصّورة غير مأخوذة من صاحبها بشرائطها المقرّرة عندهم ، وتخلّل ثمّ لتراخى زمان الوحي عن زمان إبراهيم ، وللاشارة الى انّ اتّباع محمّد (ص) شرف لإبراهيم (ع) لا وصف له أشرف منه ، وللاشارة الى انّ حكاية حاله (ص) أعلى درجة من حكاية حال إبراهيم (ع) ، وعن الصّادق (ع): لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الاقتداء لانّه المنهج الأوضح قال الله عزوجل ثمّ أوحينا إليك ان اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا فلو كان لدين الله مسلك أقوم من الاقتداء لندب أوليائه وأنبيائه (ع) اليه (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) محترما (عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) كأنّه كان في قلبه (ص) أو في قلب من آمن به شيء من الأمر باتّباع ملّة إبراهيم (ع) وترك تعظيم السّبت لانّه كان عيدا لليهود بأمر موسى (ع) كما انّ الأحد كان عيدا للنّصارى فرفع ذلك بقوله (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) (الآية) تسكينا له (ص) أو للمؤمنين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فانّ اليهود اختلفوا في السّبت بان حرّموه ثمّ استحلّوه فلعنهم الله ومسخهم ، وقيل : انّ المراد بالّذين اختلفوا فيه اليهود والنّصارى اختلفوا بان قال اليهود : السّبت أعظم الايّام لانّ الله فرغ من خلق العالم فيه واستراح ، وقال النّصارى : الأحد أعظم الايّام لابتداء خلق العالم فيه (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) كلام منقطع عن سابقه ولذلك لم يأت بأداة الوصل والمراد بسبيل الرّبّ دين الإسلام أو أعظم أركانه وهو الولاية (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الحكمة مفسّرة بالتّشبّه بالإله علما وعملا بمعنى الاطّلاع على دقائق العلوم الّتى يعجز عن مثلها البشر والقدرة على دقائق الأعمال الّتى يعجز عن مثلها أمثاله وبالفارسيّة «خورده بيني وخورده كارى» وهو شأن الولاية والمراد بها هاهنا الدّعوة من طريق الباطن بالتّصرّف في المدعوّ بحسب استعداده ومن طريق الظّاهر بحسب اقتضاء حاله بإظهار المعجزات وأعلامه بالخواطر والخيالات ليصرفه بذلك الى الحقّ ، والموعظة الحسنة هي إظهار ما كان نافعا للمدعوّ ليطلبه وما كان ضارّا ليجتنبه بحيث يرى المدعوّ انّ الدّاعى ناصح له وطالب لخيره وهو شأن النّبوّة ، والمجادلة الحسنة هي الزام الخصم بالحجّة والبرهان أو بما هو مسلّم عنده مذعن له سواء وافقه البرهان أم لا ؛ هكذا أشير الى تفسير المجادلة في الاخبار فهي اعمّ ممّا اصطلح عليه المنطقيّون وهي شأن الرّسالة فانّ الرّسول (ص) مأمور باقحام الخلق في الدّين ولو بالسّيف ، ولمّا كان الرّسول (ص) صاحب الشّؤن الثّلاثة والخلق على طبقات ثلاث مستعدّ لتصرّف الولىّ (ع) وقابل لنصح النّبىّ (ص) ومعاند محتاج الى الإلزام ولكلّ شخص يتصوّر أحوال صاحب تلك الطّبقات امر الله تعالى النّبىّ (ص) بالدّعوات