الثّلاث والمجادلة الغير الحسنة كما في الاخبار ان تجحد حقّا يدّعيه الخصم أو تلقّى باطلا عليه لالزامه وتضعف عن مقاومته بالحجّة فتجادله وبضعفك تجرّئه على أهل دينك وتضعف قلوب المسلمين وعقائدهم (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) يعنى انّك مأمور بالدّعوة العامّة فلا تتوان في الدّعوة تفكّرا في انّها تنفع أم لا (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) يعنى ان عاقبتم قصاصا وأتى بلفظ الشّكّ للاشعار بانّ المؤمن لا ينبغي له القصاص بل شأنه العفو واقدامه على القصاص كالمشكوك ؛ وهذا لمن لم يترقّ عن مرتبة النّفس ، وقوله (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) لمن عرج منها الى مقام القلب ، وقوله (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) لمن اتّصف بصفات الرّوح وبعبارة اخرى الاوّل لمن قبل الرّسالة ، والثّانى لمن قبل النّبوّة ، والثّالث لمن قبل الولاية (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) يعنى ان صبرتم عن القصاص والمراد من الصّبر العفو وكظم الغيظ الّذى ذكر في الآيات الاخر كما انّ الرّضا بمنزلة الصّفح وفوق كلّ المراتب الإحسان الى من أساء ونزول الآية كما في الاخبار في غزوة أحد لانّ المشركين مثّلوا من قتلى المسلمين فقال المسلمون : لئن أدالنا الله عليهم لنمثلنّ بأخيارهم ، أو قال النّبىّ (ص) حين حضر حمزة ورأى ما فعل به وبكى : لئن أمكنني الله من قريش لأمثلنّ سبعين رجلا منهم ، فنزل عليه (ص) جبرئيل (ع) فقال : وان عاقبتم (الآية) لكنّ مضمونها عامّ (وَاصْبِرْ) لمّا كان المؤمنون الغير الخارجين من دار النّفس غير متحمّلين للاذى متبادرين الى القصاص قال فيهم على طريق المداراة (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) بخلاف محمّد (ص) ولذلك امره (ص) صريحا بالصّبر ثم للاشعار بانّ التّمكّن من الصّبر انّما هو نعمة من الله لانّ البشريّة مقتضيته للانتقام قال (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) اى على أصحابك وما فعل بهم من القتل والمثلة بناء على نزول الآية ، أو ولا تحزن على الضّالين الماكرين لك أو لعلىّ (ع) أو للمؤمنين (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) في حقّ أصحابك أو فيك أو في علىّ (ع) وهذا اشارة الى الصّفح وتطهير القلب عن الحقد على المسيء (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) وهم أصحابك ، أو أنت واتباعك ، أو علىّ (ع) واتباعه فلاتك في ضيق ممّا فعل بأصحابك فانّ لهم الزّلفى عند الله أو لا تك في ضيق ممّا يحتالون فانّهم لن يصلوا بضرر إليك أو الى علىّ (ع) أو الى اتباعه ، أو هو تعليل للسّابق والمعنى انّ الله مع الّذين اتّقوا عن الضّيق والحزن أو الحقد على المسيء أو هو اشارة الى آخرة مراتب العبوديّة والتّقوى الحقيقيّة الّتى هي الفناء التّامّ في الله والسّفر بالحقّ في الحقّ ، وقد تكرّر فيما سبق انّ لله مع عباده ومخلوقاته معيّتين ؛ معيّة هي من صفات الرّحمة الرّحمانيّة وهي عامّة ، ومعيّة هي من صفات الرّحمة الرّحيميّة وهي خاصّة ؛ وهذا النّوع من المعيّة هو المراد في أمثال المقام (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ذوو حسن وهو الولاية أو محسنون الى المسيء إليهم فالآية كما أشير اليه في ذيل تفسير التّنزيل اشارة الى مراتب الإنسان من اوّل مقام الإسلام الى آخر كمال الإنسان فانّ قوله فان عاقبتم الى قوله لئن صبرتم اشارة الى اولى مراتبه في الإسلام وقوله (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) (الى قوله) (إِلَّا بِاللهِ) اشارة الى ثانيتها من مقام العفو وكظم الغيظ وقوله (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (الى قوله) (مِمَّا يَمْكُرُونَ) اشارة الى ثالثتها من مقام الصّفح وتطهير القلب عن الحقد على المسيء ، وقوله (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) اشارة الى آخر مقام التّقوى وهو مقام الفناء التّامّ وهو الفناء عن الفناء ، وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) اشارة الى آخر مقامات الإنسان وهو مقام البقاء بعد الفناء ، ولو كنت متذكّرا لما أسلفنا فيما أسلفنا من بيان الاسفار الاربعة للسّلّاك واصطلاح الصّوفيّة الصّافية فيها أمكنك التّفطّن بكون الآيات اشارة الى الاسفار الاربعة والله ولىّ التّوفيق.