وتحقيق ذلك بحيث لا يبقى ريب في وقوعه ببدنه الطّبيعىّ ولا إشكال ممّا ذكر يستدعى تمهيد مقدّمة فنقول : العالم ليس منحصرا في هذا العالم المحسوس المعبّر عنه بعالم الطّبع بسماواته وأرضيه بل فوقه البرزخ وهو عالم بين عالم الطّبع وعالم المثال وله الحكومة على عالم الطّبع والتّصرّف فيه اىّ تصرّف شاء من الأحياء والاماتة وإيجاد المعدوم واعدام الموجود وستر المحسوس وإظهار غير المحسوس بصورة المحسوس ومنه طىّ الأرض والسّير على الماء والهواء والدّخول في النّار سالما وقلب الماهيّات ، ومنه طىّ الزّمان كما ورد في الاخبار انّه قال المعصوم (ع) لمنافق : اخسأ ؛ فصار كلبا ، وقال لآخر : أنت امرأة بين الرّجال فصار امرأة ، وأنكر آخر قلب المهيّات عند المعصوم (ع) فصار الى نهر ليغتسل فدخل الماء وارتمس فخرج فرأى نفسه امرأة على ساحل بحر قرب قرية منكورة فدخلت القرية وتزوّجت وعاشت مدّة وولدت لها أولاد ثمّ خرجت لتغتسل في البحر فدخلت الماء وارتمست فخرجت على ساحل النّهر المعهود وهو رجل وإذا بثيابه موضوعة كما وضعها فلبسها ودخل بيته واهله غير شاعرين بغيبته لقصر الزّمان ، وأمثال ذلك رويت عن التّابعين لهم على الصّدق وهذا من قبيل بسط الزّمان ان كان وقوعه في عالم الملك ، كما نقل انّ امرأة وقع لها ذلك فأخبرت وأنكرها جماعة فأوتيت بأولادها بعد ذلك عن بلدة بعيدة مع انّه لم تمض في بلدها قدر ساعة ، أو من قبيل البسط في الدّهر من غير تصرّف في الزّمان ان كان وقوعه في الملكوت ، وفوق البرزخ عالم المثال وله التّصرّف في البرزخ والطّبع ، وفوقه عالم النّفوس الكلّيّات المعبّر عنها بالمدبّرات امرا ، وفوقه الأرواح المعبّر عنها بالصّافّات صفّا ويعبّر عنها في لسان الاشراقيّين بأرباب الأنواع وأرباب الطّلسمات ، وفوقها العقول المعبّر عنها بالمقرّبين وفوقها الكرسىّ وفوقها العرش وهو سرير الملك المتعال وهما بين الوجوب والإمكان لا واجبان ولا ممكنان بل فوق الإمكان وتحت الوجوب ، وكلّ من تلك العوالم له الاحاطة والتّصرّف والحكومة على جميع ما دونه فاذا غلب واحد من تلك العوالم على ما دونه صارما دونه بحكمه وذهب عنه حكم نفسه. ثمّ اعلم ، انّ الإنسان مختصر من تلك العوالم وله مراتب بإزاء تلك العوالم وكلّ مرتبة عالية لها الحكومة على ما دونها من غير فرق كما نشاهد من حكومة النّفس على البدن والقوى لكن تلك المراتب في أكثر النّاس بالقوّة وما بالفعل من النّفس المجرّدة الّتى هي بإزاء عالم النّفوس ضعيفة غاية الضّعف بحيث لا يمكنها التّصرّف في بدنها زائدا على ما جعله الله في جبّلتها فكيف بغير بدنها ، فاذا صار بعض تلك المراتب بالفعل كما في أكثر الأنبياء والأولياء (ع) أو جميعها كما في خاتم الأنبياء (ع) وصاحبي الولاية الكلّيّة (ع) كان لهم التّصرّف في أبدانهم باىّ نحو شاءوا ، وفي سائر أجزاء العالم كما روى عن الأنبياء والأولياء (ع) من طىّ المكان والزّمان والسّير على الماء والهواء ودخول النّار واحياء الموتى وإماتة الأحياء وقلب المهيّات وغير ذلك ممّا لا ينكر تمامها لكثرتها وتواتر الاخبار بمجموعها وان كان آحادها غير متواترة ، وامّا التّصرّف في البدن الطّبيعىّ بحيث يخرجه عن حكم الإمكان ويدخله في عالم العرش الّذى هو فوق الإمكان وفوق عالم العقول والملائكة المقرّبين كما روى انّ جبرئيل تخلّف عن الرّسول (ص) في المعراج وقال : لو دنوت أنملة لاحترقت ؛ مع انّه من عالم العقول المقرّبين فهو من خواصّ خاتم الكلّ في الرّسالة والنّبوّة والولاية وهو من خواصّ نبيّنا (ص) لا يشاركه فيه غيره لا نبىّ مرسل ولا خاتم الأولياء ولذلك جعلوا المعراج الجسمانىّ بالكيفيّة المخصوصة من خواصّه (ص) ، ولمّا كان المعراج بتلك الكيفيّة امرا لا يتصوّر امر فوقه من الممكن وكان لا يتيسّر الّا إذا غلب العالم الّذى فوق الإمكان على البدن الطّبيعىّ ولا يتيسّر تلك الغلبة بسهولة ولكلّ أحد وفي كلّ زمان قالوا : انّ المعراج للنّبىّ (ص) كان مرّتين مع انّه نسب الى بعض العرفاء انّه قال : انّى أعرج كلّ ليلة سبعين مرّة ، والمعراج بالرّوح امر يقع لكثير من المرتاضين بل ورد انّ الصّلوة معراج المؤمن ؛ إذا تقرّر ذلك نقول : انّه (ص) عرج ببدنه الطّبيعىّ وعليه عباؤه ونعلاه الى بيت المقدس ومنه الى