السّماوات ، ومنها الى الملكوت ، ومنها الى الجبروت ، ومنها الى العرش الّذى هو فوق الإمكان ، وفي هذا السّير تخلّف جبرئيل (ع) عنه (ص) لانّه كان من عالم الإمكان ولم يكن له طريق الى ما فوق الإمكان لانّ الملائكة كلّ له مقام معلوم لا يتجاوزه بخلاف الإنسان ولم يكن منه ذلك المعراج الّا مرّتين كما في الاخبار ولا يلزم منه خرق السّماوات لارتفاع حكم الملك عن بدنه بغلبة الملكوت ، ولا استغراب في عروج البدن الطّبيعىّ الى الملكوت والجبروت لسقوط حكم الملك بل حكم الإمكان عنه مع بقاء عينه ، ولا غرو في كثرة وقائعه في المعراج فانّه من بسط الدّهر مع قصر الزّمان كما قال : وانّ يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون ، وقال أيضا : في يوم كان مقداره خمسين الف سنة ، فقدر ساعة من الدّهر بإزاء قدر ساعة من الزّمان تكون كألف ساعة من الزّمان أو كخمسين الف ساعة ، وتكلّم علىّ (ع) ومدّ يده من وراء الحجاب كان بمقامه العلوىّ لا ببدنه الطّبيعىّ والفضل في المعراج بان يكون بالبدن الطّبيعىّ ولذلك كان من خواصّه (ص) لم يشاركه فيه علىّ (ع) واخبار المعراج وكيفيّة وقائعه مذكورة في المفصّلات ، ومن هذه الآية يظهر فضل نبيّنا (ص) على موسى (ع) حيث كان سيره الى الله باسراء الله وسير موسى (ع) من قبل نفسه ونفى الرّؤية عنه تأييدا بعد مسئلته وحصر الرّؤية في نبيّنا (ص) بدون مسئلته ، يعنى انّ محمّدا (ص) تحقّق بحقيقة السّمع والبصر بحيث لم يكن سمع الّا وهو سمعه ولا بصر الّا وهو بصره وما ذلك الّا بالتّحقّق بحقيقة السّمع والبصر وما ذاك التّحقّق الّا التّحقّق بحقيقة الأسماء والصّفات الّتى نفى شهودها عن موسى (ع) (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) يعنى فأريناه ايّاها فرآها فتحقّق بها فصار بحيث لم يكن سمع وبصر الّا وهو سمعه وبصره فصار في حال يقال في حقّه (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فعلى هذا قوله انّه هو السّميع البصير جواب لسؤال عن حاله (ص) بعد الاراءة كأنّه قيل : فما كان حاله بعد الاراءة؟ ـ فقال : تحقّق بالآيات والأسماء والصّفات ، أو حال مفيدة لهذا المعنى وجعل المفسّرون ضمير انّه لله اى انّ الله هو السّميع لكنّه خلاف ظاهر الآية لفظا (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا) قرئ لا يتّخذوا بالغيبة على الأصل وبالخطاب على الالتفات ، وان تفسيريّة أو مصدريّة ولا نافية أو ناهية والخطاب لبني إسرائيل مثل : كتبت اليه ان قم ، على قراءة الخطاب أو لامّة محمّد (ص) تعظيما لشأنهم حيث جعل غاية إتيان الكتاب لموسى (ع) عدم اتّخاذ أمّة محمّد (ص) من دو الله وكيلا يعنى انّ المقصود من إرسال الرّسل سابقا كان اتّعاظكم وان لا تتّخذوا يا أمّة محمّد (ص) (مِنْ دُونِي وَكِيلاً ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) مفعول اوّل للا تتخذوا ووكيلا مفعول ثان له مقدّم عليه وحمله على الجمع لجواز حمل فعيل بمعنى الفاعل على الجمع مفردا نحو حسن أولئك رفيقا ، أو نداء أو منصوب على الاختصاص ، أو مفعول لفعل محذوف (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) أتى بمدحه عقيب ذكره تعليلا لجعل الكتاب هدى لذرّيّته (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) اى أخبرنا بنى إسرائيل بقضائنا (فِي الْكِتابِ) التّوراة أو اخبار النّبوّة (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) وعد عقاب أوليهما (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) تنزيل الآية في بنى إسرائيل ومرّتى الإفساد بقتل زكريّا (ع) وبقتل يحيى (ع) ، والعلوّ الكبير استكبارهم وطغيانهم وخروجهم عن طاعة الأنبياء (ع) ، والعقوبة الاولى كانت على يد بختنصّر وجنوده وردّ الكرّة عليهم بردّ بهمن بن إسفنديار أساريهم وتمليكه دانيال عليهم وتبسّطهم في البلاد وتسلّطهم على العباد ثانيا ، والعقوبة الثّانية كانت بتسليط الفرس عليهم مرّة اخرى ، كذا قيل ، وعلى هذا فقوله عبادا لنا اولى بأس شديد بختنصّر وجنوده