ناسب تأديتها بلفظ العقلاء ، أو المراد العقلاء فقط (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) تصريح بالتّعميم بعد التّأدية بلفظ موهم للتّخصيص أو تعميم بعد تخصيص وحصر بعد اطلاق وتقييد بالحمد بعد اطلاق التّسبيح (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).
اعلم ، انّ الأشياء الامكانيّة برمّتها هاربة من نقائصها طالبة لكمالاتها ، والكلّ متحرّكة نحو تلك الكمالات وهي شؤن الحقّ الاوّل وتجلّيه وهذا الهرب والطّلب هو تسبيحهم الفطرىّ وتنزيههم لا سماء الله الّتى هي وجوداتها الفائضة من الحقّ عليها ، ولمّا كان تنزيه أسماء الله تنزيهه تعالى كان الكلّ منزّها لله ومنزّها لأنفسهم للتّقرّب الى الله ، ولمّا كان كلّ موجود إمكاني زوجا تركيبيّا من مهيّته الامكانيّة ووجوده التّعلّقىّ الفطرىّ وبعبارة اخرى لمّا كان لكلّ موجود طبيعي جهة ملكيّة وجهة ملكوتيّة كان الأشياء الطّبيعيّة ان كانت صامتة غير شاعرة بالشّعور التّركيبىّ بملكها ناطقة بملكوتها بلسان فصيح بل أفصح من اللّسان الملكىّ الانسانىّ واجلى بيانا منه شاعرة بالشّعور التّركيبىّ بل ادقّ إدراكا من الإنسان ، فكان الأشياء بملكوتها مسبّحة لله بلسان فصيح شاعرة بأوامره ونواهيه تعالى مبادرة الى امتثالها من غير عصيان وتوان ، لكن لا يسمع أصواتها ولا يدرك إدراكها تلك الاصماخ والأبصار الحيوانيّة بل يختصّ بسماعها وادراك إدراكها الأسماع والأبصار الملكوتيّة ولذلك قال تعالى : (لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) على خطاب بنى نوع الإنسان لعدم سمع وبصر ملكوتىّ لهم ، وقرئ لا يفقهون بالغيبة بإرجاع الضّمير الى الاناسىّ أو ارجاعه الى الأشياء يعنى كلّ الأشياء يسبّحون بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم بجهتهم الملكيّة المشهودة لكم بابصاركم الملكيّة لانغمارهم تحت تعيّناتهم ؛ وعلى هذا فلا حاجة الى تأويل في تسبيحهم كما فعل المفسّرون وقد قال المولوىّ قدسسره :
جمله ذرّات عالم در نهان |
|
با تو مى گويند روزان وشبان |
ما سميعيم وبصيريم وخوشيم |
|
با شما نامحرمان ما خامشيم |
چون شما سوى جمادى مى رويد |
|
محرم جان جمادان كى شويد |
از جمادى در جهان جان رويد |
|
غلغل اجزاى عالم بشنويد |
فاش تسبيح جمادات آيدت |
|
وسوسه تأويلها بر بايدت |
چون ندارد جان تو قنديلها |
|
بهر بينش كرده تأويلها |
كه غرض تسبيح ظاهر كى بود |
|
دعوى ديدن خيال وغىّ بود |
پس چه از تسبيح يادت مى دهد |
|
آن دلالت همچو گفتن مى شود |
اين بود تأويل أهل اعتزال |
|
واى آن كس كو ندارد نور حال |
وبهذا اللّسان كان حنين الاستن الحنّانة وتسبيح الحصا وشهادته في يد محمّد (ص) وتجاوب الجبال والطّيور لداود (ع) وغير ذلك ممّا نقل من نطق الأحجار والأشجار والحيوان والطّيور ، وبهذا اللّسان كان نطق الأطفال لكن في قالب اللّسان اللّحمىّ وبهذا الشّعور كان تمييز الجمادات بين الأشياء كتمييز النّار بين إبراهيم (ع) ونمرود وأصحابه ، وتمييز الرّيح بين المؤمنين والكافرين وتمييز النّيل بين السّبطىّ والقبطىّ في صيرورته دما للقبطىّ ومنفرجا لعبور السّبطىّ دون القبطىّ (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) تعليل لعدم تفقّههم تسبيح الأشياء فانّ تفقه تسبيحها ما لم يبلغ الإنسان مبلغ الرّجال امّا ان يهلك أو يجعل المتفّقه مجنونا جنونا حيوانيّا فانّ تفقه التّسبيح قرين شهود الملائكة ونزولها وبنزول الملائكة قضاء أجلهم كما في القرآن والمعنى لا تفقهون تسبيحهم فتهلكوا أو تجنّوا لانّه كان حليما لا يعاجل بإمضاء سخطه لسوء صنيعكم غفورا يستر عليكم في حال نقصكم شهود تسبيح الأشياء إبقاء عليكم (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) عن انظارهم