واحتمالات الفاعل واحتمالات ايّهم أقرب إذا لم يكن خبرا كالسّابق ، والمراد بالرّبّ امّا الرّبّ المطلق فانّ الملائكة والمسيح وعزير والكواكب كلّهم يبتغون الى الله الوسيلة أو الرّبّ المضاف وهو ربّهم في الولاية فانّ مخالفي علىّ (ع) أيضا كانوا يبتغون اليه (ع) الوسيلة (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) فهم وسائر العباد سواء في الاحتياج الى الوسيلة وفي الرّجاء والخوف فكيف يكونون وسائل لغيرهم (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) في موضع التّعليل (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً).
اعلم ، انّ الإنسان ان لم يتّصل بنفسه وقواها بالله تعالى بتوسّط عروة الولاية الوثقى فانّه سيهلك قبل يوم القيامة عن الحيوة الانسانيّة ويحيى بالحيوة السّبعيّة أو البهيميّة أو الشّيطانيّة ويحشر في زمرتها ، وان اتّصل الى الله بنفسه وجميع قواها أو بعضها فانّ المتّصل لا يهلك بل يبقى حيّا بالحيوة الانسانيّة لكنّه يعذّب ليتخلّص عن خليطه السّجينىّ ويترقّى الى العلّيّين ؛ فالمراد ما من قرية من قرى العالم الكبير أو قرى العالم الصّغير الّا نحن مهلكوها بتمام أهلها أو ببعضهم قبل يوم القيامة أو معذّبوها (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) فان قيل : لا يتصوّر الإهلاك ولا العذاب بالنّسبة الى الأنبياء والأولياء (ع) الّذين كانوا أخلصهم الله لنفسه أجيب بأنّهم اهلكوا في الدّنيا ما كان عليهم من شوب السّجّين ان كان أو عذّبوا أنفسهم بالرّياضات والمجاهدات الاختياريّة والبلايا الالهيّة فيصدق عليهم ذلك أيضا (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) الّتى اقترحها قريش (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) فأهلكوا واستوصلوا بتكذيبهم وما كنّا لنهلك أمّة محمّد (ص) فيهم رحمة بهم ، أو المعنى انّ تكذيب الأمم السّابقة بالآيات صار سببا لمنع إنزال الآيات لانّ هؤلاء من اسناخ الأمم الماضية الا يرون الى ثمود (وَ) قد (آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) الّتى اقترحوها (مُبْصِرَةً) من أبصره ، إذا جعله ذا بصيرة ، أو من ابصر إذا وضح أو صار ذا بصر أو بصيرة ، فانّ النّاقة كانت مبصرة بالبصر الظّاهر وبالبصر الباطن حيث كانت لا تتعدّى نوبتها في شرب يومها (فَظَلَمُوا بِها) اى بسبب عقرها أنفسهم (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) فما لهم يتجرّءون على اقتراحها (وَإِذْ قُلْنا لَكَ) بالوحي اى تذكّر وقت قولنا لك (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) اى اهلكهم يعنى اذكر تبشيرنا لك باهلاكهم وقد انجزه له في بدر وغيره ، والتّأدية بالماضي للاشارة الى تحقّق وقوعه أو أحاط بهم قدرة فلا يستطيعون الخروج من قدرته وحكومته (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) اى وما جعلنا الشّجرة الملعونة في القرآن الّا فتنة للنّاس ، وقد وردت اخبار كثيرة من العامّة والخاصّة باختلاف ألفاظها انّه (ص) رأى في منامه انّ رجالا أو قردة من بنى تيم وعدىّ أو من بنى أميّة يرقون منبره يردّون النّاس القهقرى ، الّا انّ العامّة رووا من بنى أميّة وحده ولم يذكروا بنى تيم وعدىّ ولا زريقا وزفر ، والشّجرة الملعونة فسّرت في أخبارنا تارة ببني أميّة عموما ، وتارة ببني مروان ، وتارة بمروان وبنيه.
اعلم ، انّ القرآن تارة يطلق على المدوّن الّذى أتى به محمّد (ص) وعلى هذا فقوله في القرآن متعلّق بالملعونة ، وتارة على مقام الجمع المشتمل على جميع مراتب العالم ومنها السّجّين واهله ، وعلى هذا فهو متعلّق بجعلنا يعنى انّ المقصود من إرخاء عنان الأشقياء وامدادهم في غصب حقّ آل محمّد (ص) ومن جعل السّجّين واهله في العالم ان يفتتن النّاس بهم ويتخلّص المحقّ عن المبطل ويتميّز الحقّ عن الباطل (وَنُخَوِّفُهُمْ) بأنواع التّخويف (فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ