قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) هو بتقدير من ليوافق سائر الآيات ، أو حال عن المفعول وقد سبق بيان الآية (قالَ أَرَأَيْتَكَ) الكاف تأكيد للضّمير المرفوع ومثله كثير في كلامهم (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَ) لاستأصلنّ من الحيوة الانسانيّة (ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) ممّن أخلصوا أنفسهم لك أو ممّن أخلصتهم لنفسك (قالَ اذْهَبْ) طرد وردع له أو تخلية بينه وبين ما أراد (فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) مكملا كثيرا لا نقص فيه (وَاسْتَفْزِزْ) واستخفف بالجلب الى نفسك (مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) ان تجلبهم إليك لغاية حمقهم وخفّة عقلهم (بِصَوْتِكَ) من غير حاجة الى جلب جندك (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ) ممّن لم تستطع جلبهم إليك بصوتك ، أو هو عطف لتفصيل بعض أسباب الجلب كأنّه قال : بصوتك وبجلب خيلك (وَرَجِلِكَ) بفرسانك وراجليك (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ).
اعلم ، انّ الإنسان كما تكرّر ذكره واقع بين عالمي النّور والزّور والحقّ والباطل ولهما التّصرّف فيه والحكومة عليه فان تخلّص بتوفيق الله واعانته من حكومة العالم السّفلى والرّئيس فيه الشّيطان ودخل في حكومة العالم العلوىّ والرّئيس فيه الرّحمن فقد أخلص أمواله وأولاده من شرك الشّيطان ، وان لم يتخلّص من ذلك أو تخلّص من حكومة الرّحمن ودخل في صرف حكومة الشّيطان فقد يتّفق ان يخلّص ماله وولده لله إذا كان الانسانيّة باقية والشّيطانيّة عرضيّة ولا يتأثر كسبه ونطفته بما بالعرض كما قيل : الولد سرّ أبيه ، وقد يكون بشراكة الشّيطان وقد يكون بانفراد الشّيطان ، فانّ الكاسب والمضاجع المؤتمر بأمر الشّيطان المعرض عن امر الرّحمن ينفرد بماله وولده الشّيطان ان كان قد أبطل انسانيّته والمؤتمر بأمر الرّحمن والشّيطان مع كون الانسانيّة فيه باقية لا محالة يشارك في ماله وولده الشّيطان وقد ذكر في الاخبار ما ذكرنا بالتّصريح والاشعار (وَعِدْهُمْ) المواعيد الّتى بها تغرّهم كوعد المغفرة من الله وانّ الله كريم وانّهم يبقون ثمّ يتوبون ، أو المواعيد الّتى بها تطيل آمالهم (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) بتزيين الباطل في صورة الحقّ والخطاء في صورة الصّواب (إِنَّ عِبادِي) الّذين خرجوا من عبوديّتك (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ) ايّها الشّيطان أو يا محمّد (ص) (وَكِيلاً) في حفظهم عنك وعن اغوائك أو عن الشّيطان فلا تحزن عليهم يا محمّد (ص) وقد فسّر العباد في الآية في الاخبار بعلىّ بن ابى طالب (ع) لانّه أصل العباد وغيره عباد لله بعبوديّته (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي) يجرى (لَكُمُ الْفُلْكَ) فانّه الّذى جعل أخشابها ذوات مسامّ يدخل فيه الهواء فيمنعها من الرّسوب في الماء وجعل الهواء يتبادر الى الخلأ لامتناع الخلأ فيمنع أيضا من الرّسوب وجعل الهواء متموّجا فيحرّكها على الماء ، وجعل لكم ما تتفطّنون بكيفيّة صنع الفلك ووضع الشّراع بحيث تتحرّك الى مقاصدكم وجعل لكم ما تتفطّنون بسببه بتمويج الهواء باختياركم ما اخترعوا من تحريك الفلك بالبخار (فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بنقلكم الامتعة الى البلاد البعيدة وتجاراتكم الرّابحة (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) في موضع تعليل (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) من الاجرام العلويّة والأجسام السّفليّة من الأوثان والطّواغيت البشريّة وغيرها (إِلَّا إِيَّاهُ) استثناء من من تدعون اى ضلّ كلّ من تدعونه الّا الله ، والإتيان بضمير النّصب لكون الاستثناء في كلام موجب ، وذلك الضّلال لانّ المدعوّ من دون الله انّما هو مدعوّ بإغواء الشّيطان وتصرّف الخيال ، ووقت الضّرّ وغاية الوحشة يفرّ الشّيطان وينقطع تصرّف الخيال فيبقى العقل