والقوى المحرّكة ثمّ يصعد صورة ذلك العمل من طريق المدارك الظّاهرة الى الخيال ثمّ تثبت في الجهة الّتى صدرت عنها ثمّ لمّا كان لتلك الجهة ظلّ نورانىّ وهو الكتاب الّذى بيد كاتب الحسنات فيثبت صورة العمل كاتب الحسنات في ذلك الكتاب وهي ثابتة فيه وفي صفحة النّفس ما لم يأت العبد بما يمحوها أو يخرقها مدّخرة له الى يوم القيامة وحينئذ يلقاه العبد كتابا منشورا مثبتا جميع ما عمله من خير ، وان لم يكن عمله من جهة الايتمام بإمام حقّ كان عمله من جهة الايتمام بإمام باطل من الاناسىّ والأبالسة والأهواء فكان مصدره الجهة السّفليّة للنّفس بامداد الشّياطين وكان نزول صورة ذلك العمل من تلك الجهة الى الخيال ثمّ الى المدارك ثمّ الى القوى المحرّكة ثمّ تصعد منها الى الخيال ثمّ الى ما نزلت منه فتثبت فيه ، ولمّا كان لتلك الجهة أيضا ظلّ ظلمانىّ وهو الكتاب الّذى بيد كاتب السّيّئات فيثبت صورة ذلك العمل كاتب السّيّئات في ذلك الكتاب وهي ثابتة فيه وفي صفحة نفسه ما لم يأت بما يبدّلها أو يمحوها أو يغفرها مدّخرة له الى يوم القيامة وحينئذ يلقاه كتابا منشورا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الّا أحصيها ، ولمّا كان هاتان الجهتان معبّرتين باليمين والشّمال وهو يلقى الكتاب العلوىّ من جهته العلويّة وكتابه السّفلىّ من جهته السّفليّة ، وأيضا يرد كتابه العلوىّ الّذى هو ظلّه النّورانىّ الى ما هو ظلّ له وكتابه السّفلىّ الى ما هو ظلّ له فهو يؤتى كتابه بيمينه وشماله فمن اوتى كتابه بيمينه فيقول تبجّحا (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ، ومن اوتى كتابه بشماله فيقول تحسّرا : يا ليتني لم أوت كتابيه (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) فانّهم يبصرون ولا يكونون عميانا ولا يرون في كتابهم ما يستحيون من قراءته (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) الفتيل المفتول الّذى في شقّ النّواة يعنى لا ينقصون من أجورهم شيئا (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) المراد بالعمى عمى البصيرة عن معرفة الآخرة وطرقها الأعمى البصر فربّ أعمى عن البصر يبصر أمور الآخرة بالبصيرة ، وربّ بصير في الدّنيا يعمى عن أمور الآخرة ويخرج البصيرة من القوّة الى الفعل بمعرفة الامام والعمى بإنكاره ويبقى قوّة البصيرة من دون حصول فعليّة البصيرة ، أو العمى إذا لم يكن منكرا ولا عارفا ، وهذا وان كان في حكم الأعمى لكنّه يرجى له البصيرة في الآخرة كما يخاف عليه العمى فيها (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) في الآخرة منه في الدّنيا أو ممّن ضلّ السّبيل في الدّنيا (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) وانّهم كادوا يصرفونك بفتنتك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) عن المعهود الّذى أوحينا إليك وهو ولاية علىّ (ع) كما روى (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) من الرّكون ، وقد ورد في الاخبار انّ هذه الآية من قبيل : ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، وورد انّها من فرية الملحدين ولو كان الخطاب له (ص) من غير كونه على طريق ، ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، ولم تكن فرية لم يكن فيها ازدراء به (ص) بل يكون صدر الآية ازدراء بالملحدين لاشعاره بانّهم بالغوا في فتنته يعنى انّهم ما أهملوا شيئا ممّا يفتن به ولو كان المفتون غيركم ولم يكن تثبيت من الله لفتن ، وذيلها بيان امتنان عليه (ص) بأنّه تعالى اثبته في مثل هذا المقام (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) اى عذاب الحيوة الدّنيا وعذاب الآخرة على ما قيل : انّ الضّعف اسم للعذاب ، أو ضعف عذاب الحيوة اى ضعف ما ينبغي ان يعذّب في الحيوة لو كان هذا الرّكون من غيرك لانّ امر ذوي الخطر اخطر ، وقيل : المراد بضعف الحيوة عذاب الآخرة وبضعف الممات عذاب القبر (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) يدفع عنك العذاب (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ليزعجوا لك استفزّه استخفّه وأخرجه من داره وأزعجه (مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً