ولا اختصاص للآية بالقاعد والمجاهد الصّورىّ بل تجري في المؤمن القاعد في نواحي دار إسلامه أو الواصل الى دار إسلامه الّتى هي الصّدر والواقف فيها ، وفي المؤمن المجاهد في سبيل الله حالكونه في حدود النّفس باقيا عليه نسبة المال والنّفس وحالكونه بلغ الى القلب وطرح نسبة المال والنّفس عن نفسه وجاهد حتّى طرح نسبة المال والنّفس عن نفسه وقتل في حضور الامام بفنائه في شيخة فلا يرى في ممالك وجوده غير شيخة وللمجاهد في فنائه مراتب ودرجات ، رزقنا الله وجميع المؤمنين ذلك (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ) المجرّدين عن نسبة الأموال والأنفس بطرح تلك النّسبة والفناء عن نسبة الأموال والصّفات والأنفس (عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) لا يحدّ بحدّ لانّ هؤلاء المجاهدين قد خرجوا عن الحدود (دَرَجاتٍ) عظيمة (مِنْهُ وَمَغْفِرَةً) عظيمة بستر نسبة الأفعال والصّفات والأنفس عنهم (وَرَحْمَةً) عظيمة لانّهم خرجوا عن دار السّخط ودخلوا في دار الرّحمة وصاروا رحمة بأنفسهم وقد علم وجه عدم الإتيان بالأموال والأنفس هاهنا (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يعنى انّ شيمته المغفرة والرّحمة فلا اختصاص لمغفرته ورحمته بالمجاهدين المستحقّين لهما بل تشملان القاعد الغير المستحقّ وفيه تهييج واطماع للقاعدين (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر كأنّ السّامع لمّا سمع المغفرة والرّحمة للقاعد توهّم انّ القاعد بجميع اقسامه مرحوم وسأل ذلك كأنّه منكر لعذاب القاعد فقال تعالى مؤكّدا بانّ واسميّة الجملة دفعا لهذا الوهم : انّ الّذين توفّاهم الملائكة (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) بعدم الخروج من دار الشّرك الّتى هي نفوسهم الحيوانيّة مقصّرين كانوا كالّذين توعّدهم بكونهم أصحاب الجحيم ، أو قاصرين كالّذين استثناهم الله.
اعلم انّه تعالى أراد أن يبيّن أقسام العباد في العبوديّة وعدمها بعد ما ذكر القاعدين والمجاهدين فانّهم امّا واقفون في دار الشّرك الّتى هي نفوسهم الامّارة سواء كانوا في دار الشّرك الصّوريّة أم في دار الإسلام الصّوريّة وقد أشار إليهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (الآية) أو خارجون من بيوتهم الّتى هي بيوت طبائعهم ونفوسهم الامّارة في طلب من أسلموا على يده ومن قبلوا الأحكام القالبيّة منه وأشار إليهم بقوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً) ، الآية ، ولمّا كان المقصود ممّن يخرج من بيته الطّالب للإسلام لم يأت بقوله : في سبيل الله ، لانّه لم يكن بعد علىّ سبيل الله وأتى بقوله الى الله ورسوله لعدم وصوله الى الرّسول (ص) بعد أو مهاجرون على سبيل الله الى مراتب الايمان بالتّوسّل بالولاية بعد ما كانوا قد خرجوا عن نفوسهم الامّارة بقبول الدّعوة الظّاهرة وقبول الإسلام بالبيعة العامّة النّبويّة ، وهؤلاء امّا مجاهدون أو قاعدون عن الجهاد وقد أشار إليهما بقوله سابقا : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) ، وأشار إليهم بقوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، ولم يقل : من يخرج لانّ المفروض انّهم قد خرجوا بقبول الإسلام ، ولم يقل الى الله ورسوله لانّ المفروض انّهم قد خرجوا الى الله ورسوله وقبلوا الدّعوة الظّاهرة وقال في سبيل الله لانّهم بقبولهم الإسلام كانوا في سبيل الله لانّ الإسلام طريق الى الايمان.
تحقيق توفّى الله وتوفّى الملائكة والرّسل
ووجه الجمع بين الآيات المختلفة في توفّى الأنفس بتوفّى الله وملك الموت والملائكة والرّسل لا يخفى على البصير فانّ العقل في العالم الصّغير كالحقّ في العالم الكبير ، وإذا لوحظ انّ للعقل جنودا وأعوانا ومدارك وقوى لا يعصون ما أمرهم العقل وهم بأمره يعملون وانّ امره للقوى والمشاعر امتثالها من غير تراخ وتأبىّ ، وفعلها كما انّه منسوب إليها حقيقة منسوب الى العقل أيضا حقيقة من غير مجاز لإحدى النّسبتين أو اثنينيّة وتعدّد للنّسبة بل فعل القوى فعل