لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) إذا أخرجوك لا يمكثون بعدك الّا قليلا (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) نصب على المصدر اى سننّا ذلك المذكور من فتنة قومك ، وتبثيتنا ايّاك واستفزاز قومك لارادة اخراجك وعدم لبثهم بعدك سنّة من قد أرسلنا أو سنّ ذلك سنّة من قد أرسلنا ، أو هو مفعول به لمقدّر اى ركبوا في ذلك سنّة من قد أرسلنا (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) اللّام بمعنى في اى في وقت دلوك الشّمس وزوالها (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) الى شدّة ظلمته وفسّر في الاخبار بانتصاف اللّيل وقد بيّن الآية في الاخبار بالصّلوات الأربع الظّهر والعصر والمغرب والعشاء (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) وقت اجتماع الفجر باعتراضه في الأفق اشارة الى صلوة الصّبح (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ) اى وقته (كانَ مَشْهُوداً) وقد فسّر في الاخبار بشهادة الملائكة اللّيليّة والنّهاريّة فانّها يصير الصّلوة حينئذ مثبتة في كتابيهما (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) وبعضا من اللّيل فحذف الموصوف وأقيم الصّفة مقامه لقوّة معنى البعضيّة في من التّبعيضيّة حتّى قيل بإجراء احكام الاسم الخالص على من ومجرورها بل قيل : بكون من اسما ولفظة الفاء زائدة أو بتوهّم امّا أو عاطفة من قبيل عطف التّفسير على المفسّر بالفاء ، والتّهجد كما يستعمل في النّوم يستعمل في الاستيقاظ فهو من الاضداد ، ويمكن ان يكون مأخوذا من الجهود بفتح الهاء وهو المصلّى باللّيل والمعنى بعض اللّيل فاستيقظ بذلك البعض اى في ذلك البعض وصلّ وبالغ واجتهد في صلوتك في ذلك البعض ، وامّا جعله من الهجود بضمّ الهاء وجعل الصّيغة للسّلب فبعيد غاية البعد (نافِلَةً لَكَ) عطيّة لك أو صلوة نافلة لك وعلى الاوّل فهو مفعول فعل محذوف اى أعطينا عطيّة لك وعلى الثّانى مفعول تهجّد بناء على تضمينه معنى افعل أو على تجريده عن معنى الصّلوة اى فافعل بالاستيقاظ نافلة لك ، أو فالفعل نافلة لك على معنى التّهجّد ولام لك للاختصاص ومعنى اختصاصه به اختصاص وجوبه به وان كان استحبابه مشتركا بينه (ص) وبين أمّته ، ويمكن استنباط الوجوب من الآية مع قطع النّظر عمّا ورد في الاخبار من وجوب التّهجّد عليه (ص) لانّه عطف التّهجّد على اقامة الصّلوة لدلوك الشّمس ، والأمر هناك للوجوب والتّوافق يقتضي ان يكون هاهنا أيضا للوجوب ، وتفصيل النّوافل وكيفيّتها ووقتها وفضيلتها موكول الى كتب الفقهاء رضوان الله عليهم (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) التّنوين للتّعظيم اى مقاما عظيما محمودا ، وهو منصوب على الظّرفيّة أو على الحاليّة باعتبار انّه (ص) قام في المقام المحمود وصار بنفسه مقاما محمودا ، والمقام المحمود هو آخر مقامات السّالك وهو مقامه مع الحقّ في الخلق فانّ اوّل مقاماته وهو مقامه في الخلق مع الخلق مقام مذموم والإنسان مأمور بالفرار والهجرة منه وعدم الوقوف فيه ، وثانى مقاماته وهو مقامه في الحقّ سالكا منه الى الحقّ مقام تنزيه وقدس وليس مقاما محمودا ، وثالث مقاماته وهو مقامه في الحقّ مع الحقّ فانيا فيه انتهاء مقام قدسه وتنزيهه ولا اسم له ولا رسم في ذلك المقام فضلا عن الحمد والفضل ، ورابع مقاماته وهو مقامه في الخلق مع الحقّ مقام محمود ومقام الفضل ومقام الجمع بين التّنزيه والتّشبيه والحقّ والخلق والتّوحيد والتّكثير ، ولكون هذا المقام بعد الفناء أتى بلفظ البعث الدّالّ على الأحياء بعد الممات فانّ الفاني ميّت بالموت الاختيارىّ والرّاجع الى الخلق يحيى بعد فنائه وذلك المقام وان كان لكلّ نبىّ لكن مطلقة وعظيمة وما ينبغي ان يكون الكامل عليه كان مطلوبا منه وباعتبار ذلك المقام العظيم امره تعالى بالسّؤال بعد الأمر بالنّافلة باللّيل الّتى هي عبارة عن المقام في ذلك المقام والّا كان أصله حاصلا له بوجه ، وذلك انّ صاحب هذا المقام امّا ان يكون نظره الى الخلق غالبا أو يكون نظره الى الحقّ غالبا وهذان المقامان