ليسا محمودين على الإطلاق وهما نشأتا موسى (ع) وعيسى (ع) ، أو يكون نظره الى الحقّ ونظره الى الخلق متساويين بمعنى ان يكون النّظر الى كلّ كما يقتضيه من غي نقصان من حقّ شيء منهما وهذا هو المقام المحمود على الإطلاق وهو كان لمحمّد (ص) وكلّ ما ورد في تفسير المقام المحمود يرجع الى ما ذكرنا ، ولمّا كان ذلك المقام من أعظم المقامات ووعده الله دخوله فيه على تهجّده امره (ص) بمسئلة الدّخول في ذلك المقام والانتظار له فقال (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي) في ذلك المقام وما ورد من تفسيره بدخول مكّة أو بدخول كلّ مدخل أو بدخول كلّ مدخل يخاف منه انّما هو لسعة وجوه القرآن وجواز تعميم الآية ، ولا ينافي كون المقصود في ذيل وعد البعث الى المقام المحمود مسئلة الدّخول في ذلك المقام ، ولمّا كان خطابه (ص) يشمل أمّته نحو شمول خطاب الكلّ للاجزاء أو خطاب المتبوع للتّابع كان الامّة مقصودة وكان المقصود بالنّسبة إليهم سؤال دخول مقامات السّالكين الى الله أو سؤال دخول المقام المحمود الجزئىّ الّذى هو آخر مقامات السّالكين بحسب مراتبهم (مُدْخَلَ صِدْقٍ) إدخال صدق أو محلّ إدخال صدق ، وقرئ بفتح الميم والاضافة الى الصّدق للمبالغة اى إدخالا ثابتا للصّدق لا يكون له الّا شأن الصّدق ، أو الصّدق بمعنى الصّادق اى إدخال صادق ويكون التّعبير بالصّدق للمبالغة فيكون الاضافة أيضا للمبالغة فانّ المعنى حينئذ إدخال شخص لا يبقى فيه الّا الصّدق وصدق الإدخال في مقام ان يدخل ويتمكّن فيه بحيث لا يتصوّر له الخروج وزوال ذلك المقام عنه ولذلك قيل : الخروج من غير دخول جهل يعنى الخروج من مقام من غير تمكّن الدّخول فيه جهل والّا فالخروج فرع الدّخول (وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) والإخراج بالصّدق يكون بالتّمكّن في المدخل (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) والتّنوين للتّفخيم والسّلطان النّصير هو الولاية المطلقة الظّاهرة في مظاهرها الكلّيّة والجزئيّة ، وأصل كلّ المظاهر علىّ (ع) ببشريّته كما انّه حقيقة الولاية المطلقة بعلويّته وقد أجابه (ص) الله تعالى حيث كان علىّ (ع) معه بعلويّته سرّا وببشريّته جهرا وهو كان بعلويّته السّكينة النّازلة عليه (ص) بصورته المثاليّة (وَقُلْ) بعد مسئلتك السّلطان النّصير وإجابتنا لك ونزول الولاية الكلّيّة المعبّر عنها بعد النّزول بالسّكينة تبجّحا بما أعطيناك (جاءَ الْحَقُ) فانّ الولاية المطلقة هي الحقّ وبحقّيّتها حقّيّة كلّ ذي حقّ (وَزَهَقَ الْباطِلُ) فانّ الباطل يزهق ويضمحلّ بمجيء الحقّ في العالم الصّغير وفي العالم الكبير (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) لكن بدون مجيء الحقّ يترائى حقّيّة له وبعد مجيء الحقّ يظهر انّه كان باطلا ولم يكن له حقيقة وحقّيّة (وَنُنَزِّلُ) عطف على جاء الحقّ فيكون من جملة مقوله (ص) يعنى قل بعد مجيء الحقّ وزهوق الباطل ننزّل بصيغة الجماعة تعظيما لشأنك فانّك بعد مجيء الحقّ تصير متّحدا مع الولاية المطلقة الّتى هي المشيّة الّتى هي كلّ الموجودات بوجه أو تشريكا لنفسك مع الحقّ النّازل ان كنت ترى نفسك في البين ، أو قل بلسان صار لسان الله ننزّل ، أو هو كلام من الله وعطف باعتبار المعنى كأنّه قال : ننزّل الحقّ ونظهر زهوق الباطل وننزّل بعد ذلك (مِنَ الْقُرْآنِ) من للتّبعيض والظّرف حال ممّا بعده أو من ابتدائيّة والظّرف صلة لننزّل والمراد بالقرآن صورة الكتاب التّدوينىّ أو مقام الجمع الّذى هو المقام المحمود (ما هُوَ شِفاءٌ) للأبدان والأرواح من كلّ آفة وداء فانّ المنزل من مقام الجمع إذا كان المنزل عليه الّذى هو الواسطة بين مقام الجمع والخلق مطهّرا من النّقص والآفة كان شفاء من كلّ داء لمن استشفى به واتّصل بالمنزّل عليه (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ