إِلَّا خَساراً) لانّهم كالعذرة لا يزيدها كثرة اشراق الشّمس الّا العفونة. روى في طبّ الائمّة عن الصّادق (ع): ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية قطّ وقال بإخلاص نيّة ومسح موضع العلّة : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) الّا عوفي من تلك ايّة علّة كانت ؛ ومصداق ذلك في الآية حيث يقول : شفاء ورحمة للمؤمنين. وعنه (ع) لا بأس بالرّقية والعوذة والنّشرة إذا كانت من القرآن (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) عنّا (وَنَأى بِجانِبِهِ) اى نأى عنّا ملصقا بجانبه والباء للتّعدية والمقصود استبداده وغفلته عن منعمه ، أو استكباره وطغيانه كقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) شديد اليأس من روح الله يعنى انّ الإنسان سجّيّته الطّغيان والكفر بالمنعم بحسب مقام نفسه عند النّعمة واليأس من روح الله عند زوالها ومسيس الضّرّ له والحال انّه عبد مربوب ليس له اضافة شيء الى نفسه بل عليه ان يرى النّعمة والضّرّ من مولاه ويكون حين النّعمة شاكرا له مضيفا للنّعمة اليه خائفا من زوالها وحين الضّرّ راجيا لرفعه مضيفا له الى نقصان نفسه (قُلْ كُلٌ) من الله وافراد العباد (يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) مشتملا على نيّة هي شاكلته فانّ النّيّة شاكلة حال الإنسان ومقامه وسجّيّته ، أو المعنى كلّ يبنى عمله على نيّة وفعليّة من نفسه هي شاكلة حاله ومقامه.
اعلم ، انّ الإنسان بحسب فعليّة بشريّته نوع واحد وله حدّ واحد لكنّه بحسب الباطن أنواع متباينة بالقوّة ولكلّ نوع حدّ غير حدّ النّوع الآخر فاذا صار بحسب الباطن نوعا بالفعل مثلا إذا صار بالفعل واحدا من أنواع السّباع أو البهائم أو الشّياطين أو الإنسان المشتمل على أنواع الملك ، فاذا أراد فعلا من الأفعال سواء كان في صورة العبادات أو المعاصي أو المباحات تمثّل تلك الصّورة عند نفسه وقصد من ذلك الفعل بواسطة تمثّل تلك الصّورة كمال ما هو بالفعل هو وتلك الصّورة وذلك القصد نيّة الفعل وهو حين العمل مشتمل عليه ويبنى عليه العمل ؛ مثلا الإنسان المعجب بنفسه أو المرائى لغيره إذا أراد الصّلوة تمثّل صورتها عنده وقصد بفعله بواسطة تلك الصّورة تزيين نفسه بما يزعمه ممدوحا عند النّاس فيعمل الصّلوة مشتملا على تلك النّيّة المشاكلة لما هو بالفعل هو وهو النّوع المعجب بنفسه كالطّاووس مثلا ، وبعبارة اخرى يبنى عمله على اسّ هو قصد تزيين نفسه الّذى هو شاكلة حاله وفعليّته وهكذا ، والحقّ الاوّل تعالى شأنه شاكلته اوّلا وبالّذات صفاته الجماليّة من الرّحمة والجود والإحسان والعفو والصّفح والغفران فليس عمله بالقصد الاوّل الّا على تلك لكنّها قد تصير قهرا وغضبا وانتقاما بحسب القوابل بالقصد الثّانى وبالعرض والمعنى قل لهم انّ الله يعمل على شاكلته من الرّحمة والإحسان وأنتم تعملون على شاكلتكم ممّا يجعل رحمته رضا أو سخطا (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) يعنى ان كان كلّ يعمل على شاكلته والشّاكلة من الأمور الغيبيّة الباطنة وصورة العمل لا عبرة بها فمن تختارونه بصورة العمل يمكن ان يكون غير مختار بحسب الشّاكلة بل المختار من اختاره الله لانّ ربّكم اعلم بمن هو أهدى سبيلا ، فالفاء داخلة على ما قام مقام جزاء شرط مقدّر ولا ينافي ذلك تعميم الآية لجميع موارد صدقها كما هو شأن جميع الآيات من كون المقصود بالّذات من ذكر الخيرات عليّا (ع) ومن ذكر الشّرور أعداءه مع تعميمها لجميع موارد صدقها بالتّبع (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) اى الرّوح الّتى بها الحيوة الانسانيّة فانّ الرّوح تطلق على البخار المتكوّن في القلب المنتشر في البدن بواسطة الشّرائين وتسمّى روحا حيوانيّة ، وعلى البخار المتصاعد من القلب الى الدّماغ فتعتدل ببرودته وتسمّى روحا نفسانيّة ، وعلى الّتى بها حيوة الحيوان وتسمّى نفسا حيوانيّة ، وعلى الّتى بها حيوة الإنسان وتسمّى نفسا ناطقة وهذه هي مراد السّائلين لانّها المدركة لهم بالآثار دون سابقتها فانّها مختفية تحت شعاع نفس الإنسان ، وتطلق على طبقة من الملائكة وتسمّى في لسان الاشراق بأرباب