سورة الكهف
وهي مائة واحدى عشرة آية مكّيّة كلّها ، وقيل : سوى آية
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (الآية)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) اضافة العبد للعهد يعنى محمّدا (ص) والمراد بالكتاب كتاب النّبوّة وصورته القرآن أو القرآن وبعد اشعاره بمحموديّته على جميع ما يحمد عليه بتعليق الحمد على الله المشعر بجميع الأوصاف الحميدة ذكر معظم ما يحمد عليه من الأوصاف وهو إنزال كتاب النّبوّة الّذى به قوام المعاش والمعاد (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) العوج كعنب الاعوجاج من كلّ شيء من الأجسام المحسوسة وغيرها ، أو العوج محرّكة اعوجاج الأجسام الّتى من شأنها الاستقامة كالحائط والعصا ، والعوج كعنب خاصّة بالمعاني ، والمعنى لم يجعل لكتاب النّبوّة انحرافا عن الاستقامة نزولا وصعودا لانّه نازل منه على الاستقامة ومنته اليه على الاستقامة وذاهب بمن توسّل به الى الله على الاستقامة (قَيِّماً) حال من الكتاب أو من الضّمير المجرور باللّام وهو مبالغة من قام الرّجل المرأة وعليها ، وقام الرّجل اهله إذا مأنهم وقام بشأنهم ، والمقصود انّ كتاب النّبوّة قيّم على جميع الكتب السّماويّة حتّى القرآن ببيانها وتعيين موارد أحكامها وقيّم على جميع من توسّل به بإفادة ما يحتاجون اليه في امر معاشهم ومعادهم ، أو هو حال عن العبد فانّه أيضا قيّم لكلّ معوّج وكاف لكلّ محتاج (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) عذابا شديدا في الدّنيا بالقتل والأسر والنّهب كما انذر ووقع ذلك البأس وكما يقع للكفّار حين الاحتضار وفي الآخرة بعذاب البرازخ والقيامة والجحيم ، وقد فسّر البأس الشّديد بعلىّ (ع) فانّه الرّحمة للمؤمنين والبأس للكافرين في الدّنيا والآخرة (مِنْ لَدُنْهُ) من لدن العبد المنزل عليه الكتاب ما فسّر ، أو من لدن الله وقد فسّر لدن رسول الله (ص) بعلىّ (ع) وكذا لدن الله تعالى (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) أطلق الإنذار اشعارا بانّه للمؤمنين والكفّار بخلاف التّبشير فانّه خاصّ بالاختيار ، وإنذار المؤمنين من حيث شوب الكفر والّا فحيثيّة الايمان تقتضي التّبشير لا الإنذار (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) هو الجنّة ونعيمها ورضوان من الله أكبر (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) تخصيص بعد تعميم تفضيحا لهذا الصّنف من الكفّار ومبالغة في قبح قولهم