أبوان همّان وكانت لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثمّ أرجع الى غنمي ، فحبست ذات يوم حتّى أمسيت فأتيت أهلي فأخذت محلبى وأتيتهما فوجدتهما نائمين فلم أوقظهما وتوقّفت عندهما حتّى أصبحا واستيقظا ، فسقيتهما ؛ اللهمّ ان فعلته لوجهك فافرج عنّا ، ففرّج الله عنهم. وقصّة الكهف اجمالا كما يستفاد من الاخبار انّهم كانوا أصحاب دقيانوس الملك وانّه كان يدعو الخلق الى عبادة الأصنام ، وهؤلاء ، آمنوا بربّهم وحده ورفضوا عبادة الأصنام واسرّوا التّوحيد وأظهروا الشّرك وكانوا يحضرون معهم الى عبادة الأصنام ولم يعلم أحد بدينهم ولا يعلم كلّ منهم دين صاحبه ومضوا على ذلك مدّة متمادية ، حتّى سئموا وملّوا من موافقة دقيانوس وقومه فخرجوا من القرية فرارا منهم وأظهروا قصد الصّيد ، فاتّفق ان كان خروجهم في يوم واحد فتلاحقوا في البادية فتساءلوا عن شأنهم وخروجهم كلّ عن الآخر ، فأخذوا المواثيق وأظهر كلّ دينه وقصده ، فعرفوا انّهم كانوا على دين واحد وقصد واحد فتوافقوا في المسير ومرّوا براع ، فدعوه الى التّوحيد فلم يجبهم وأجابهم كلبه وذهبوا على وجههم ودخلوا الكهف فأماتهم الله ثلاثمائة وتسع سنين أو أنامهم على اختلاف في الرّوايات ، فأحياهم الله أو أيقظهم بعد ذلك وتساءلوا بينهم كما حكى الله. وسبب نزول هذه السّورة كما في الخبر انّ قريشا بعثوا ثلاثة نفر الى نجران اليمن الى علماء اليهود ليتعلّموا مسائل منهم ويسألوا محمّدا (ص) بعد رجوعهم لعلّهم الزموه ، فذهبوا إليهم وسألوهم فقالوا : سلوه عن ثلاث مسائل فان أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثمّ سلوه عن مسئلة واحدة فان ادّعى علمها فهو كاذب ، فقالوا : سلوه عن فتية خرجوا وغابوا وناموا مدّة كم كان عددهم؟ وكم كان نومهم؟ وما كان معهم من غيرهم؟ وما كان قصّتهم؟ ثمّ سلوه عن موسى (ع) ومن امره الله باتّباعه من هو؟ وكيف كان قصّته؟ ثمّ سلوه عن طائف طاف المشرق والمغرب حتّى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج ، من هو؟ وكيف كان قصّته؟ وأملوا القصص الثّلاث عليهم ، فرجعوا وسألوه فقال : أخبركم غدا ولم يستثن ، فحبس الوحي عنه (ص) أربعين يوما حتّى اغتمّ النّبىّ (ص) وشكّ أصحابه وفرحت قريش واستهزؤا وآذوا وحزن ابو طالب فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل جبرئيل (ع) بسورة الكهف وكان سبب تأخيره تركه (ص) الاستثناء (كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) آية عجبا يعنى لا ينبغي لك ذلك الحسبان مع ما آتيناك من عجائب الآيات وأريناك من معظمها ، فانّ أصحاب الكهف وايمانهم امر سهل في غاية السّهولة في جنب ما آتيناك (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) إذ تعليل للحسبان أو لعجبا أو مفعول لا ذكر مقدّرا أو ذكّر ، والفتية جمع الفتى ، وهو كما يطلق على العبد والشّابّ والخادم والمطيع يطلق على المؤمن فانّه شابّ عقلا والّا فانّهم كانوا كهولا (فَقالُوا) التجاء واستغاثة (رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا) من ديننا الّذى صار سببا لمهاجرة الكفّار والفرار من الأشرار وابتغاء سنّة الأخيار (رَشَداً) في معاشنا ما نصير بسببه راشدين يمكن لنا التّعيّش مع الخلق كما قال تعالى : (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) يعنى ما يمكن لكم المداراة مع الخلق (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) حجابا يمنعهم من سماع الأصوات بالموت أو النّوم (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) ذوات عدد (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) من الموت أو النّوم بعد ثلاثمائة سنة (لِنَعْلَمَ) ليظهر علمنا (أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) حزب الله ومنهم قومك السّامعون منك وحزب الشّيطان ومنهم المشركون والمحاجّون عليك أو اىّ الحز بين من أصحاب الكهف أنفسهم وممّن اطّلع عليهم (أَحْصى) فعل ماض وعلى هذا فقوله (لِما لَبِثُوا) حال من قوله (أَمَداً) وهو مفعول احصى أو لما لبثوا مفعول له واللّام زائدة للتّقوية وأمدا تميز ، ويحتمل ان يكون احصى افعل تفضيل من الإحصاء على خلاف القياس ، وعلى هذا فقوله أمدا تميز عن ما في لما لبثوا (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) مقابل الكذب ،