حيث سألوا الرّحمة والتّقليب الى ذات اليمين والرّشد يعنى التّقليب الى ذات الشّمال والمقصود التّوسّط بين الجذب والسّلوك ، ولا يخفى على البصير الاستبصار بالتّأويل (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) بفناء الكهف كالبوّاب المطيع (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) يا محمّد (ص) على طريقة : ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، أو يا من يتأتّى منه الاطّلاع (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) وذلك لما أعطاهم الله من الهيبة والخشية ، أو لانّ أجسادهم كانت كأجساد الموتى وكانت عيونهم مفتوحة بحيث يتوحّش النّاظر منهم (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) يعنى كما أنمناهم آية غريبة بعثناهم آية اخرى (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن حالهم فيعرفوا انّ حالم اغرب من ان يعرف ، وانّ صنع الله بهم لا يعرف كنهه ويزداد يقينهم في امر البعث (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا) اى الآخرون (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) بناء على ما هو المعتاد من النّوم وذلك قبل ان نظروا الى تغيّر حالهم وطول شعورهم واظفارهم وبعد ما نظروا الى ذلك (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أو الاوّل كان لبعضهم وهذا لبعض آخر ، ولمّا رأوا انّه لا طريق لهم الى معرفة ذلك اعرضوا عنه وأخذوا فيما يهمّهم من الحاجة الى الغذاء وقالوا (فَابْعَثُوا) يعنى إذا لم تقدروا على معرفة ذلك فابعثوا (أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) الورق الفضّة المسكوكة (إِلَى الْمَدِينَةِ) واسمها كما نقل كان طرسوس أو أفسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) اىّ أهلها أو اىّ الاطعمة (أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) في المعاملة حتّى لا يغبن أو في التّخفّى حتّى لا يعرف (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ان يطّلعوا أو يظفروا بكم (يَرْجُمُوكُمْ) يقتلوكم اشدّ قتلة (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) وقد أنعم الله عليكم بالنّجاة منها (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً وَكَذلِكَ) يعنى مثل اطّلاعنا ايّاهم على حالهم وطول مدّة منامهم ليزدادوا بصيرة بقدرتنا وعودهم إلينا (أَعْثَرْنا) غيرهم (عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا) يعنى المطّلعين (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والأحياء بعد الاماتة (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) في إتيانها ، روى انّه قد رجع الى الدّنيا ممّن مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثمّ بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليريهم قدرته ؛ وهذا الخبر يدلّ على انّهم ماتوا في تلك المدّة كما انّ بعض الاخبار يدلّ على انّهم ناموا ، ونقل انّ المبعوث لمّا دخل المدينة أنكرها وتحيّر واخرج الدّرهم وكان عليه اسم دقيانوس فاتّهموه بانّه رأى كنزا وأخذوه وذهبوا به الى الملك وكان نصرانيّا موحّدا فقصّ القصّة عليه فقال بعض الحاضرين : انّ آباءنا أخبرونا انّ جماعة فرّوا في زمن دقيانوس بدينهم لعلّهم هؤلاء ، فانطلق الملك وأهل المدينة جميعا الى الكهف ورأوهم وكلّموهم ثمّ قال الفتية نستودعك الله ايّها الملك ، ورجعوا الى مضاجعهم فماتوا ودفنهم الملك ، وقيل : تقدّمهم المبعوث ، وقال أخبرهم لئلّا يفزعوا فعمي عليهم باب الكهف فبنوا هناك مسجدا (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ظرف لأعثرنا والمعنى أعثرنا عليهم إذ يتنازع الفتية امر نومهم قلّة وكثرة أو يتنازع أهل البلد امر الفتية من حيث دفنهم وتركهم كما كانوا وأخذ المسجد عليهم ، أو إذ يتنازع المطّلعون امر دينهم وامر البعث بينهم بالإنكار والإقرار ببعث الأرواح دون الأجساد أو بعث الأرواح والأجساد جميعا أو ظرف ليعلموا ، والمعنى ليعلم الفتية علما شهوديّا بعد ما كانوا علموا يقينيّا إذ يتنازعون بينهم أمرهم في نومهم ومدّته ، أو ليعلم المطّلعون انّ وعد الله حقّ إذ يتنازعون بينهم امر بعثهم (فَقالُوا ابْنُوا) عطف على يتنازعون عطف التّفصيل على الإجمال على بعض الوجوه ، أو عطف على