لما بعده (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) فلا تخف من التّغيير والتّبديل وظهور الخلف في اخبارك (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملتجأ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) ذكر النّفس بعد الصّبر مبنىّ على تجريد الصّبر عن النّفس فانّ الصّبر هو حبس النّفس عن الجزع أو عن هواها والمعنى احبس نفسك عن اتّباع هواها (مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) يعنى في جملة أوقاتهم وهم الّذين يذكرون الله مخرجا لهم عن ظلمات الطّبع والنّفس الى نور القلب والرّوح لمشاهدة وجه ربّهم المضاف وهو ربّهم في الولاية وهم الّذين أخذوا الذكّر من صاحب الاذن وأهل الذكّر (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الملكوتي وهو السّكينة الّتى ينزلها الله على المؤمنين وهو الذكّر الّذى به يطمئنّ قلوب المؤمنين (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهذا على : ايّاك اعنى واسمعي يا جارة (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) والذكّر هو الرّسول (ص) أو أمير المؤمنين (ع) ، أو المراد من الذكّر تذكّر الله وتذكّر أو امره ونواهيه وثوابه وعقابه ، أو المراد الذّكر المأخوذ من صاحب الذّكر (وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) افراطا وتجاوزا للحدّ في الخروج عن تحت حكم العقل ، روى انّ جمعا من فقراء المسلمين منهم سلمان رضى الله عنهم كانوا عند النّبىّ (ص) فدخل عليه جمع من أغنياء المؤلّفة قلوبهم فقالوا : يا رسول الله (ص) ان جلست في صدر المجلس ونحيّت عنّا هؤلاء وروائح جبابهم جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك ، فقاموا من عنده (ص) ، فلمّا نزلت الآية قام النّبىّ (ص) يلتمسهم فأصابهم في مؤخّر المسجد يذكرون الله عزوجل فقال : الحمد لله الّذى لم يمتني حتّى أمرني ان اصبر نفسي مع رجال من أمّتي معهم المحيا ومعهم الممات (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) يعنى قل للغافلين اللّائمين لك في مجالسة الفقراء الحقّ ما جاء من قبل ربّكم وهو الصّبر مع الفقراء (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ) اى من شاء فليسلم بى (وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) أو قل الولاية هو الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن بالبيعة الخاصّة الولويّة ومن شاء فليكفر فانّه لا إكراه في الدّين وطريق الولاية فالاختيار في ذلك إليكم (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ) أنفسهم في الكفر بك أو في ترك الولاية وغصب الخلافة (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) وان كانوا لا يشعرون بها وسيظهر لهم انّها كانت محيطة بهم (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) كدردىّ الزّيت المغلى أو كالنّحاس المذاب (يَشْوِي الْوُجُوهَ) لفرط حرارته ونتنه حينما يقرب الى الفم (بِئْسَ الشَّرابُ) المهل (وَساءَتْ) النّار (مُرْتَفَقاً) متّكأ ليّنا يستراح به وهو امّا من باب المشاكلة مع قوله وحسنت مرتفقا ، أو من باب استعمال الضّدّ في الضّد تهكّما (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة أو انّ الّذين أسلموا بك بالبيعة العامّة النّبويّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالاتّصال بالولاية (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بعلّة الحكم وانّهم محسنون (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ممّا رقّ من ثياب الحرير وما غلظ (تَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) على السّرر ، وفسّرت في الاخبار بالسّرر عليها الحجال (نِعْمَ الثَّوابُ) دخول الجنّة والتّحلّى بحليّها (وَحَسُنَتْ) الأرائك (مُرْتَفَقاً وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) اى لحال المؤمن والكافر أو لحال المخلص والمنافق (رَجُلَيْنِ) اى حكاية حال رجلين (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ)