قيل مثّل حال المؤمن في زهده في زهرة الحيوة الدّنيا وقنوعه بقليل منها وحال الكافر في جمعه لها وافتخاره بها بحال رجلين كانا جارين وكان لأحدهما بستانان كبيران كما حكى الله وكان الآخر فقيرا فافتخرا لغنىّ على الفقير (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) اى جعلناهما محاطتين بالنّخل بجعل النّخل حولهما أو حولهما واواسطهما أيضا (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما) بين كرومهما ونخلهما (زَرْعاً) فكانتا بحيث يحصل منهما ثماره وإدامه وخبزه (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) افراد الضّمير بلحاظ لفظ كلتا (أُكُلَها) مأكولها من الثّمار والتّمر والحبوب (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) لم تنقص من الاكل شيئا بالآفة أو بتغيير بحسب الأعوام كسائر البساتين فانّها كثيرا تثمر كما ينبغي في عام وينقص ثمرها في عام آخر (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) ليدوم شربهما ولا يتعب في سقيهما ويزيد بهاء هما (وَكانَ لَهُ) لصاحب الجنّتين (ثَمَرٌ) مال كثير من غيرهما من : ثمر ماله ، إذا كثر (فَقالَ لِصاحِبِهِ) الفقير (وَهُوَ) اى الصّاحب الفقير أو صاحب الجنّتين (يُحاوِرُهُ) يجاوبه في الكلام (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) افتخارا عليه (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) مع صاحبه بقرينة ما يأتى (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالفخر والعجب والغرور والغفلة من الله (قالَ) اغترارا بصورة نضرتها وغفلة من الله وقدرته (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ادّى به الاغترار الى انكار المعاد (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) فرضا كما تزعم (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) بحسب مادّتك البعيدة (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) بحسب المادّة القريبة (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا) أصله لكن انا خفّفت الهمزة وأدغم النّون واجرى بالألف وصلا بنيّة الوقف (هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) هذا ما شاء الله أو ما شاء الله كائن إقرارا بقدرته وانّ الكلّ بمشيّته (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) مقول القول أو مستأنف من الصّاحب (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) في الدّنيا أو في الآخرة (وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً) جمع حسبانة بمعنى الصّاعقة (مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) يزلق عليها لعدم نبات وشجر فيها ، وكثيرا ما يقال : ارض زلق لما لا نبات فيها (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) غائرا في الأرض (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) بتنقية مجراه وتجديد منبعه وإخراج الماء منه (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) أهلك أمواله تماما أو ثمر جنّته كما قال له صاحبه وأنذره ، نقل عن الخبر انّ الله أرسل عليها نارا فأهلكها وغار ماؤها (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) يعنى على فخذيه لغاية تحسّره فانّ المتحسّر يضع كفّيه على فخذيه ويضربهما على فخذيه ظهرا وبطنا أو يقلّب كفّيه لغاية تحيّره فانّ المتحيّر يقلّب كفيّه (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) تحسّرا على ما أنفق فيها (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) ساقطة كرومها على عروشها الّتى كانت الكروم عليها (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) تذكّرا لما خوّفه به صاحبه (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ) بدفع الإهلاك أو ردّ المهلك (مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) بنفسه عن إهلاك الله وممتنعا عنه (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) في موضع تعليل والولاية بالفتح التّصرّف والنّصرة والتّربية وبالكسر السّلطنة والامارة وقرئ بهما ، وهنا لك اسم اشارة يشاربه الى المكان والمراد به مرتبة من النّفس لتشبيهها بالمكان يعنى في تلك الحال الّتى تنقطع آمال النّفس من كلّ ما سوى الله يظهر لها انّ الولاية لله الّذى يظهر