(وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) وأعظم الآيات الأنبياء والأولياء (ع) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) من الأنبياء والأولياء (ع) وكتبهم السّماويّة ومواعظهم الوافية وسائر الآيات الآفاقيّة والانفسيّة ، والمقصود هاهنا الأنبياء والأولياء (ع) فانّهم الآيات العظمى وأسباب ظهور سائر الآيات من حيث انّها آيات (فَأَعْرَضَ عَنْها) لعدم الإقبال على الأنبياء (ع) وعدم قبول مواعظهم والعناد معهم وعدم التّدبّر لسائر الآيات وعدم التّنبّه بها (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من المساوى فانّ التّوجّه الى الأنبياء والأولياء (ع) سبب ظهور المساوى وهو سبب كلّ خير كما ورد : إذا أراد الله بعبد خيرا بصّره عيوب نفسه وأعماه عن عيوب غيره ، وإذا أراد الله بعبد شرّا بصّره عيوب غيره وأعماه عن عيوب نفسه ، والاعراض عنهم سبب للغفلة عن سائر الآيات ونسيان المساوى عن نفسه وظهور مساوي غيره (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أستارا ، تعليل للاعراض عن الآيات وتسلية له (ص) لانّه كان يتحسّر على اعراضهم وعدم قبولهم ، أو جواب للسّؤال عن حالهم وعمّا ادّى اليه اعراضهم (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة ان يفقهوه أو لان لا يفقهوه بحذف اللّام ولا النّافية ، وتذكير الضّمير وافراده باعتبار القرآن الّذى هو مصداق الآيات ومظهرها ومظهرها ، ويحتمل ان يكون قوله : (إِنَّا جَعَلْنا) ، جوابا عن السّؤال عن علّة عدم التّدبّر في القرآن الّذى به يهتدى الى سائر الآيات ويتنبّه لها كأنّه قيل : لم لا يتدبّرون القرآن حتّى يتذكّروا بسائر الآيات ويقبلوا عليها؟ ـ فقال : انّا جعلنا على قلوبهم اكنّة ان يفقهوا القرآن ، ويحتمل ان يكون كلاما منقطعا عن سابقه من قبيل المخاطبات الّتى تكون بين الأحباب بحيث لا يطّلع عليها رقيب ويكون جوابا عن تحيّره في عدم قبولهم قوله (ص) في علىّ (ع) وولايته كأنّه قال : مالك تتحيّر في عدم قبولهم قولك في ولاية علىّ (ع) انّا جعلنا ، أو مالك تتحسّر على اعراضهم عن علىّ (ع) انّا جعلنا ، ولمّا كان طريق النّجاح منحصرا في التّحقيق والتّفقّه الّذى هو شأن القلب والتّقليد من صادق والتّسليم الّذى يحصل بالسّماع والانقياد للمسموع كما أشار إليهما بقوله : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) قال تعالى كراهة ان يفقهوه تحقيقا (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يمنعهم عن السّماع والتّقليد كراهة ان يسمعوه ويقبلوه تقليدا (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى) كالنّتيجة للّسابق يعنى إذا كان على قلوبهم اكنّة وفي آذانهم وقر ، فان تدعهم الى الهدى (فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) لانحصار طريق الهداية في التّحقيق والتّقليد وهم ممنوعون من كليهما (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) يعنى انّ طبع القلوب ووقر الأذان بسبب عملهم ومن رحمته لا يعجّل لهم العذاب (بَلْ لَهُمْ) اى لعذابهم (مَوْعِدٌ) يعنى القيامة أو حين الموت أو يوم بدر كما قيل ان كان الاضراب عمّا يتوهّم من عدم العذاب رأسا ، أو المعنى بل لمغفرتهم ونزول الرّحمة بهم بحيث يظهر لكلّ أحد موعد هو يوم القيامة ان كان الاضراب عمّا يتوهّم من العذاب بعد عدم التّعجيل (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ) من دون الله أو من دون الموعد (مَوْئِلاً) ملجأ ، وهو استيناف أو حال أو صفة لموعد (وَتِلْكَ الْقُرى) اى قرى الأمم الماضية (أَهْلَكْناهُمْ) من قبيل الاستخدام أو بتقدير المضاف في المرجع ، أو بإرادة الأهل من القرى مجازا (لَمَّا ظَلَمُوا) أنفسهم بالمعاصي والاعراض عن الآيات أو ظلموا الآيات بالعناد أو الخلق بالصّدّ والمنع من الآيات وهو تعريض بامّة محمّد (ص) وتحذير عن الاعراض عن الآيات وترغيب في الإقبال عليها وقبول قوله (ص) في علىّ (ع) (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ) اى لهلاكهم أو إهلاكهم على قراءة فتح الميم وضمّه (مَوْعِداً) لا يتجاوزون عنه فلا تغتّروا يا أمّة محمّد (ص) بالامهال وعدم التّعجيل في المؤاخذة ، وفسّر المهلك بنار الآخرة ، والموعد بالقيامة