وصولك فحملا حوتا وسارا ومرّا برجل ولم يعرفاه فقام موسى (ع) يصلّى واخرج يوشع (ع) الحوت ووضعه على حجر فحيي أو غسّله في ماء عين الحيوان فحيي وأفلت من يده ودخل البحر ، أو قطر قطرة في المكتل فأصابه وحيي ونسي يوشع (ع) ان يخبر موسى (ع) أو تركاه على الصّخرة وسارا من ذلك الموضع (فَلَمَّا جاوَزا) الموضع عييا وكان موسى (ع) لم يعي في سفر قطّ أو في هذا السّفر الّا في هذا السّير حين جاوزا مجمع البحرين و (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا) الغداء ما يتغذّى به في الصّباح (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا) في ابدال اسم الاشارة اشعار بانّه لم يعي قبل ذلك في سفر (نَصَباً) عياء (قالَ أَرَأَيْتَ) كلمة تعجّب في العرب والعجم بلفظها وترجمتها والأصل : أرأيت ما دهاني؟ (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) فحذف الموصول وصلته وأقيم الظّرف مقامه ، أو الأصل أرأيت بليّة إذ اوينا ، فحذف المضاف وأبقى المضاف اليه ، أو الظّرف بنفسه مفعول على طريق المجاز العقلىّ ، أو المفعول محذوف ، وإذ أوينا مستأنف مفسّر للمفعول المحذوف ، ولفظة إذ متعلّق بمحذوف مفسّر بقوله (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) اى تركته على الصّخرة أو نسيت امره الغريب ان اذكره لك حين حيي وأفلت الى البحر ، وذكر انّه للكثرة ما كان يرى من أمثاله من موسى (ع) لم يكن يبالي به وبذكره (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) لك أو أتذكّره (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً قالَ ذلِكَ) اى امر الحوت لانّه كان دليلا على المطلوب ، أو الرّجل المستلقى عند الصّخرة (ما كُنَّا نَبْغِ) حذف اللّام للوصل بنيّة الوقف اشعارا بعدم تمام الطّلب والسّلوك مع الخضر (ع) (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) في الطّريق الّذى جاء فيه طلبا للموضع والرّجل الّذى كان في ذلك الموضع (قَصَصاً) يقتصّان آثارهما قصصا ، أو مقتصّين ، أو هو مصدر من غير لفظ الفعل (فَوَجَدا) بعد الانتهاء الى الموضع (عَبْداً مِنْ عِبادِنا) شرّفه تعالى بالعبديّة والاضافة الى نفسه (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) ثمّ وصفه بإيتاء الرّحمة وخصّها بكونها من عنده اشارة الى الرّحمة الخاصّة الّتى هي مقام الولاية ، فانّ الرّحمة العامّة الّتى هي من اظلال اسم الرّحمن يؤتيه لكلّ أحد بل لكلّ موجود لانّ ظهور الأشياء ووجودها وقوامها وبقاءها تكون بها ، والرّحمة الخاصّة الّتى هي من اظلال اسم الرّحيم تكون لكلّ من قبل الدّعوة العامّة وباع البيعة النّبويّة ، ولكلّ من قبل الدّعوة الخاصّة وباع البيعة الولويّة ؛ لكنّها لا تكون من عند الله بل من عند خلفائه فلا توصف بكونها من عند الله ، والرّحمة الموصوفة بكونها من عند الله هي الّتى تحصل للسّالك بعد انتهاء سلوكه بحسب استعداده وفنائه عن ذلاته وبقائه بالله بعد فنائه واستخلاف الله ايّاه لدعوة عباده الدّعوة الباطنة أو الدّعوة الظّاهرة وهي المسمّاة بالولاية والموصوفة بكونها من عند الله ، وفيه اشارة الى كون الخضر (ع) وليّا داعيا الى الله بخلافته ، وامّا كونه نبيّا فلا يستفاد منه ، وفي بعض الاخبار انّه كان نبيّا أيضا ، ويمكن حمل ما في الاخبار من كونه نبيّا على خلافة النّبوّة فانّ الولىّ من حيث تعليمه للعباد احكام القالب له خلافة النّبوّة كما قيل : الشّيخ في قومه كالنّبىّ في أمّته (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) وصفه بتشريف تعليمه وكون التّعليم من لدنه وكون ما علّمه من لدنه علما لا صنعة فانّ تعليم الأنبياء والأولياء (ع) تعليم الله لكنّه ليس من لدنه بل من لدن خلفائه وكون التّعليم من لدنه قد يتعلّق بالصّنعة كما في قوله تعالى : وعلّمناه صنعة لبوس لكم ؛ فقد أشار تعالى الى أوصاف سبعة للخليفة والشّيخ :
أوصاف الولىّ وهي سبعة
وانّ الدّاعى الى الله ينبغي ان يكون متّصفا بتلك الأوصاف ، الاوّل العبديّة والخروج من حكم نفسه والدّخول في حكم غيره ، والثّانى العبديّة لله تعالى فانّ الخروج من حكم النّفس والدّخول في حكم الغير اعمّ من الدّخول في حكم الله فانّ المريد داخل في حكم المراد والمطيع