في حكم المطاع وليس بداخل في حكم الله بلا واسطة ، والثّالث إيتاء الرّحمة ، والرّابع إيتاء الرّحمة الخاصّة الموصوفة بكونها من عنده ، والخامس تعليم الله ، والسادس كون التّعليم من لدنه ، والسّابع تعلّق التّعليم بالعلم لا بالصّنعة وقد ذكر الأوصاف على ترتيبها الحاصل للسّالك فانّ العبديّة لخلفاء الله مقدّمة على العبديّة له بلا واسطة ، والعبديّة له مقدّمة على إيتاء الرّحمة ، وإيتاء الرّحمة مطلقة مقدّم على صيرورتها من عنده ، وصيرورة الرّحمة من عند الله مقدّمة على التّعليم ، فانّ المراد بالتّعليم هاهنا تعليم احكام الكثرة من حيث الدّعوة والتّأدية الى الله ، وصيرورة التّعليم لدنيّا متأخّرة عن التّعليم المطلق ومقدّمة على تعليم العلم من لدن الله ، وقد ذكر قصّة ملاقاتهما ومخاطباتهما في المفصّلات (قالَ لَهُ مُوسى) بعد الملاقاة وإتمام التّحيّة وما جرى بينهما من المخاطبات (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) مفعول تعلّمنى أو حال من فاعل اتّبعك أو مفعوله أو كليهما أو من فاعل تعلّمنى أو مفعوله أو كليهما أو من مرفوع علّمت أو تميز مبيّن لكلمة ما أو مبيّن لنسبة اتّبع الى الكاف أو مصدر لقوله اتّبعك بتقدير مضاف اى اتّباع رشد أو مصدر لقوله تعلّمنى أو علّمت بتقدير مضاف الى تعليم رشد أو مصدر لفعل محذوف حالا ممّا سبقه أو منقطعا عمّا قبله دعاء أو تعليلا أو مفعول له حصوليّ أو تحصيلىّ محتمل التّعليل لكلّ من الأفعال الثّلاثة ، ويحتمل جريان بعض وجوه رشدا بالنّسبة الى قوله قال له على بعد. والمراد بالرّشد الاهتداء الى تنظيم المعاش وحسن المعاشرة مع النّاس بحيث يؤدّى الى حسن المعاد واستحقاق الأجر من الله ويعبّر عنه بسياسة المدن والاهتداء الى سياسة النّفس وكلّ من كان تحت اليد من القوى والجوارح والأهل والعيال وادخالهم تحت حدود الله ويعبّر عنه بتدبير المنزل والاهتداء الى إصلاح النّفس بتخليتها عن الرّذائل وتحليتها بالخصائل ، ويعبّر عنه بتهذيب الأخلاق. وامّا العقائد الحقّة الثّابتة الجازمة فهي وان كانت أصل الرّشد وبدونها لا يحصل الرّشد لكن لا يطلق الرّشد عليها في الغالب وهي كانت حاصلة لموسى (ع) ويعبّر عن الاوّلين بالسّنّة القائمة ، وعن الثّالث بالفريضة العادلة ، وعن الرّابع بالآية المحكمة ، وإليها أشير في الحديث النّبوىّ حيث قال : انّما العلم ثلاثة آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة. ولقد أجاد (ع) في الطّلب حيث تنزّل عن مقامه العالي الى مقام الفقير المحتاج وابرز الطّلب والسّؤال بصورة الاستفهام لا الأمر المشترك بين الأمر والسّؤال ، وفي حكايته تعلم للعباد وانّ من أراد العلم والارادة كيف ينبغي ان يطلبوا العلم والارادة للعالم والشّيخ وتنبيه على انّ المرء وان كان ذا فضائل كثيرة ومراتب عليّة لا ينبغي ان يتأنّف عن التّعلّم بل ينبغي ان يطلب ما افتقده عمّن يعلم انّ المفقود عنده وان كان الّذى عنده المفقود أدون منه ولا ينظر الى دنوّ رتبته بل يرى نفسه من حيث جهله المفقود أدون منه ومحتاجة اليه فيتضرّع عنده ويتكدّى عليه.
بيان النّيابة للرّسالة والولاية
اعلم ، انّ الأنبياء (ع) لهم مقامات ثلاثة بحسب نسبتهم الى الخلق : الاوّل مقام البشريّة وبه يتعيّشون مثلهم ويأكلون ويشربون ويسعون في حاجاتهم ويحتاجون في المعايش الى معاونتهم وهذا الّذى سدّ طريق الخلق عن قبول نبوّتهم وطاعتهم من حيث انّهم يرونهم محتاجين في المعايش ساعين في تحصيلها ولا يرون منهم مقاما آخر لاختفائه عن النّظر ، ولم يشعروا أيضا بطريق العلم والبرهان ولا بطريق الّذوق والوجدان انّ لهم وراء المرئىّ مقاما لكون علومهم مقصورة على ما في هذه الدّار كما قال تعالى ؛ (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ،
اندرين سوراخ بنّائى گرفت |
|
در خور سوراخ دانائى گرفت |
ولذلك قصروا اوصافهم ومقاماتهم على المرئىّ فقالوا : ان أنتم الّا بشر مثلنا ،
أنبياء را مثل خود پنداشتند |
|
همسرى با أنبياء برداشتند |