سورة الكهف
والثّانى مقام الرّسالة وبه يؤسّسون نظام معاش الخلق بحيث يؤدّى الى صلاح الدّارين ويسنّون حدود الله والعبادات القالبيّة وبحسب هذا المقام كانوا يدعون الخلق عموما باللّطف والقهر والاختيار والإجبار ويأخذون البيعة منهم على شرائطها المقرّرة عندهم ، ويسمّى تلك الدّعوة دعوة ظاهرة عامّة وهذه البيعة بيعة عامّة نبويّة وبعد هذه البيعة يقع اسم الإسلام عليهم ، والثّالث مقام الولاية وبحسب ذلك المقام كانوا يدعون المستعدّين دون غيرهم الى طريق القلب والسّير الى الله والسّلوك الى الآخرة باللّطف فقط من غير قهر إجبار كما قال تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) فانّه في هذه الدّعوة يرتفع الإكراه ولا يتأتّى الإجبار لانّ السّير بها سلوك من طريق القلب الّذى هو مستور عن الانظار ولا يتصوّر فيه الإجبار ، وكانوا من هذه الجهة يعلّمونهم احكام القلب ولوازم السّلوك وحدوده بحسب مراتبه وكانوا يأخذون البيعة منهم على شرائطها المقرّرة عندهم ويسمّى تلك الدّعوة والبيعة دعوة خاصّة باطنة وبيعة خاصّة ولويّة ، وبعد تلك البيعة يقع اسم الايمان عليهم وفائدة البيعة العامّة والإسلام الدّخول تحت الحدود والأحكام وحفظ الدّماء والاعراض وتصحيح المناكحة والمواريث وغايته قبول الولاية وقبول الدّعوة الباطنة والبيعة الخاصّة ، ولمّا كان ذلك يحصل بالانتحال والانقياد لأحكام الشّرع اكتفوا بعد زمن النّبىّ (ص) في اطلاق اسم الإسلام وجريان احكامه يمحض هذا الانقياد من دون حصوله بالبيعة أو بحصوله بالبيعة الفاسدة مع خلفاء الجور بخلاف الايمان ، فانّ ثمرته الارتباط والاتّصال باطنا وبذر ذلك الاتّصال لا يحصل الّا بالبيعة والاتّصال الصّورىّ والعقد بالايمان والعهد باللّسان وأخذ الميثاق وشراء الأنفس والأموال ولذلك التزموا فيه البيعة ولم يرضوا عنها باعتقاد الجنان فقط ، ومن هذا يظهر سرّ من اسرار قعود علىّ (ع) في بيته وإرخاء العنان نحوا من خمس وعشرين سنة ، وهكذا كان حال أولياء الله (ع) وائمّة الهدى الّا انّ مقام الرّسالة كان لهم بحسب الخلافة لا الاصالة ، ومقام الولاية كان بالاصالة فقد كانوا يستنيبون في كلّ من المقامين أو في كليهما وكانت سلسلة النّيابة جارية بعد الغيبة الكبرى الى زماننا هذا وقد سمّى النّوّاب في مقام الرّسالة بمشايخ اجازة الرّواية ، والنّوّاب في مقام الولاية بمشايخ اجازة الإرشاد ، والجامعون بين النّيابتين بكلا الاسمين ، ويسمّى الاوّلان بالنّوّاب الخاصّة كما يسمّى غيرهم ممّن نصبوه لامامة الجماعة أو لجمع الأموال أو غير ذلك بهذا الاسم ، ويسمّى الثّالث بالنّوّاب العامّة لعموم نيابتهم في كلّ ما يرجع الى الامام وقد كانت سلسلة اجازة الرّواية في مشايخها منضبطة متّصلة من زمن المعصومين (ع) الى زماننا هذا ، وكذا سلسلة اجازة الإرشاد كانت منضبطة متّصلة من الخاتم (ص) بل من زمن آدم (ع) الى زماننا هذا ؛ فمن ادّعى الفتيا أو الإرشاد من غير اجازة من المأذون في الاجازة من المعصوم (ع) فقد أخطأ وغوى وأغوى ، ومن أفتى أو أرشد بالإجازة فانّ مدادهم أفضل من دماء الشّهداء. وشأن مشايخ الرّواية رضوان الله عليهم تعليم العباد عبادات القالب وسياسة البلاد كالحدود والمواريث وآداب المعاملات والمناكحات ونظرهم الى الكثرات ومراتبها وإعطاء كلّ ذيحقّ حقّه من اللّطف والقهر والإعطاء والمنع ولذلك يسمّون بالعلماء لانّ العلم بوجه هو ادراك مراتب الكثرات وحقوقها ، وشأن مشايخ الإرشاد تعليم احكام القلب والسّلوك الى الله والتّجريد عن الكثرات وعدم الالتفات إليها وتهذيب الأخلاق والاتّصاف بصفات الرّوحانيّين وإماتة الغضب والشّهوة ولذلك يسمّون بالحلماء ؛ لانّهم أماتوا الغضب ورضوا بقضاء الله ، وشأن مشايخ الاجازتين الجمع بين الحقّين وحفظ مراتب الكثرة مع التّمكّن في مقام الوحدة ، والدّعوة الى الوحدة مع الإبقاء في الكثرة والتّصرّف في النّفوس بجذبها الى الوحدة مع توسعتها في الكثرة وخلاصتها حفظ جميع المراتب كما ينبغي ولذلك يسمّون بالحكماء. وقد أشير الى الثّلاثة فيما روى عن السّيّد السّجّاد (ع) انّه قال : لو يعلم النّاس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللّجج ؛ انّ الله تبارك وتعالى اوحى الى دانيال (ع) انّ أمقت عبيدي الىّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم التّارك للاقتداء بهم ، وانّ احبّ عبيدي الىّ التّقىّ الطّالب للثّواب