الجزيل اللّازم للعلماء التّابع للحلماء القابل عن الحكماء ، والمقصود ملازمة العالم من حيث علمه ومتابعة الحليم من حيث حمله والقبول عن الحكيم من حيث حكمته ، سواء كانت الأوصاف حاصلة لشخص واحد أو كان كلّ في شخص. إذا تمهّد هذا فنقول : انّ الحكيم قد أغناه الله بعلمه عن علم غيره ولا حاجة له الى الرّجوع الى غيره ، وامّا العالم الّذى هو شيخ الرّواية فهو غنىّ عن غيره من جهة علم الكثرات ، وامّا من جهة احكام القلب وتهذيب الأخلاق وعلوم الأسرار فهو محتاج الى غيره فاقد لما هو عند غيره فينبغي له ان يرجع الى الحليم الّذى هو شيخ الإرشاد ويأخذ ما افتقده عنه ولا ينبغي له التّأنّف عنه وان يرى نفسه أفضل من الحليم ، كما انّ موسى (ع) في كمال مرتبة الرّسالة وكونه من اولى العزم وكمال مرتبة علمه بالكثرات رجع الى الخضر (ع) مع انّ مرتبة الخضر (ع) من هذه الجهة كانت أدون من مرتبته وسأل عنه ما كان عنده في كمال التّواضع والتّضرّع وحفظ الأدب وسؤال الاتّباع والقبول مع تأنّف الخضر (ع) عن القبول واستكباره عليه ، وقد أشير في الاخبار الى انّ الحافظ لمراتب الكثرات وحقوقها أفضل واجمع من المستغرق في التّوحيد واسراره ، وقد ورد أيضا انّ موسى (ع) كان أفضل من الخضر (ع) لذلك وكذلك ينبغي لشيخ الإرشاد إذا لم يحصل له مرتبة اجازة الرّواية ان يرجع الى شيخ الرّواية ويتعلّم منه احكام الكثرات ولا يتأنّف عن الرّجوع اليه بل يتواضع عنده ويتذلّل لديه ويسأل احكام الشّريعة عنه ، وينبغي لكلّ ان يأمر اتباعه بالرّجوع الى الآخر فيما عنده حتّى يقع الوداد بين العباد ويرتفع النّزاع والعناد ويستحقّوا الرّحمة والفضل من ربّ العباد وهكذا كان حالهم في زمن الائمّة (ع) وبعده الى مدّة من الغيبة الكبرى. ثمّ لمّا طال الغيبة واختلط الامّة واختفى المشايخ واشتبه الحال على المتسمّين بالشّيعة وتوسّلوا بعلوم العامّة وصوفيّتهم وحصّلوا علم الشّريعة وآداب الطّريقة لأغراض نفسانيّة واعراض دنيويّة وتشبّهوا بالمحقّين من مشايخ الشّيعة وقع التّحاسد والتّباغض والنّزاع والخلاف بينهم وطعن كلّ في طريق الآخر وكفّر بعض بعضا وتفعل بعض في وجوه بعض وما هذا الّا لاهواء كاسدة وأغراض فاسدة ، أعاذنا الله وجميع المؤمنين من شرّه في الدّنيا وتبعته في الآخرة (قالَ) الخضر (ع) تتميما لعزمه وتثبيتا لقدمه وتكميلا لتضرّعه واستعداده وتمهيدا لاخذ الميثاق الأكيد عنه (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) لانّى وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت أنت بعلم لا أطيقه كما في الخبر وذلك لانّ موسى (ع) وكلّ بعلم الكثرة وحفظ المراتب والنّظر ال الظّواهر وحفظ الحقوق وإيصالها الى أهلها واجراء احكام القالب وحدوده ، وذلك امر عظيم قلمّا يتحمّله الأولياء (ع) الّا من اجتباه الله للرّسالة واستكمله في مقام الكثرة مع كماله في التّوحيد كموسى (ع) وان كان غير مطّلع على بعض اسرار التّوحيد وغرائبه ، والخضر (ع) وكلّ بأمر الولاية واسرارها وغرائب التّوحيد ومن كان حافظا لاوضاع الشّريعة واحكام الكثرة غير محيط بغرائب الولاية والتّوحيد لا يمكنه تحمّل ما يظهر من الغرائب من صاحب الأسرار مخالفا لاوضاع الكثرة واحكام الشّريعة ، وفي الخبر كان موسى (ع) اعلم من الخضر (ع) وفي خبر آخر ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر (ع) الرّتبة على موسى (ع) وهو أفضل من الخضر (ع) وكأنّه كان عالما بانّ موسى (ع) لا يصير مستكملا في الجهتين ولذا أتى بكلمة لن المشعرة بالتّأبيد وقال (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ) موسى (ع) متضرّعا اليه خارجا من انانيّته متوسّلا بمشيّة الله تعالى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فلمّا تضرّع عليه وتوسّل بالمشيّة واعطى الميثاق من نفسه بعدم العصيان قبله وشرط عليه ان لا يسأل عن شيء صدر منه وينتظر الاخبار منه من غير استخبار ، وفي حكايته تعليم وتنبيه على طريق المتابعة والارادة بترك الانانيّة والاعتراض والسّؤال وان كان ما يراه مخالفا لظاهر الشّريعة.