سورة الكهف
] الجزء السادس عشر [
(قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) وذلك لانّه أراد تربيته وتكميله بأسرار الولاية وتعليمه آداب السّلوك وكيفيّة التّربية فقبل ذلك الشّرط موسى (ع) لكنّه ما وفي به لثقل ما رآه من الغرائب الّتى كانت مخالفة للشّريعة (فَانْطَلَقا) طالبين للسّفينة (حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها) تثنية الضّمير مع كونهم ثلاثة لكون يوشع (ع) تابعا وكونهما مقصودين بالحكاية (قالَ) موسى (ع) (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) استنكر فعله وأنكر عليه نسيانا للشّرط الّذى كان بينهما لعظم ما رأى منه فانّه كان ينكر الظّلم ولا يتحمّل مشاهدته (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) اى منكرا عجيبا (قالَ) الخضر (ع) تنبيها على خلفه وقلّة صبره وتحمّله وتذكيرا لوعده (أَلَمْ أَقُلْ) أسقط كلمة لك هاهنا تخفيفا للعتاب اوّل مرّة (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) فتذكّر موسى (ع) عهده بعدم السّؤال وخلفه لوعده واعتذر عن خلفه وسأل القبول وعدم المفارقة و (قالَ) سائلا متضرّعا (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) لفظة ما موصولة أو موصوفة أو مصدريّة وعلى الاوّلين فالمعنى لا تؤاخذني على العهد المنسىّ (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) ولا تغشّنى من متابعتي أو نسياني أو مخالفتي عسرا لا يمكنني معه المتابعة ، نقل عن النّبىّ (ص) انّ الاولى من موسى (ع) كانت نسيانا ، وفيه تنبيه على طريق التّربية وتعليم لكيفيّة السّلوك لانّ السّالك في اوّل الأمر لا بدّ له من تخريب سفينة البدن والنّفس حتّى يتخلّص من سلطان إبليس ويأمن من غصبه (فَانْطَلَقا) بعد الخروج من البحر في البرّ (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً) يلعب بين الصّبيان حسن الوجه كأنّه قطعة قمر وفي أذينة درّتان فنظر اليه الخضر (ع) فأخذه من غير تروّ واستكشاف حال (فَقَتَلَهُ) فوثب موسى (ع) لما أخذته الغيرة لأنّه رأى منه ما استنكره غاية الاستنكار ورأى منه ما يعدّه في ظاهر الشّريعة غاية الظّلم وانّ صاحبه مستحقّ للقتل وكأنّه أخذ البغض في الله الاختيار منه فوثب مضطرّا وأخذ الخضر (ع) وجلد به الأرض ولذلك قال النّبىّ (ص) كانت الاولى منه نسيانا
(قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) بغير قتل نفس ولا يستحقّ الصّبىّ القتل في شرع (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) النّكر أبلغ في الاستنكار من الأمر قال الخضر (ع) انّ العقول لا تحكم على امر الله بل امر الله يحكم عليها فسلّم لما ترى منّى واصبر عليه فقد كنت علمت انّك لن تستطيع معى صبرا. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ) موسى (ع) بعد التّنبّه بانّ غيرته لم تكن في محلّها وانّ فعله هذا الاعذر له وانّه لا طاقة له على تحمّل ما يرى من الخضر (ع) (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) اعترف بالتّقصير واستحيى عن سؤال المصاحبة بعد ما وقع منه ، نقل عن النّبىّ (ص): رحم الله أخي موسى (ع) استحيى فقال ذلك ، لو لبث مع صاحبه لا بصر أعجب العجائب ، وروى عنه (ص) أيضا : وددنا انّ موسى (ع) كان صبر حتّى يقصّ علينا من خبرهما ، وفيه تعليم وتنبيه على انّ السّالك بعد تخريب سفينة البدن ينبغي ان يقتل الغلام المتولّد من آدم الرّوح وحوّاء النّفس الّذى يتولّد في اوّل تعلّق الرّوح الانسانيّة بالنّفس الحيوانيّة وهو الّذى شأنه التّدبير واستعمال الحيل في الوصول الى المآرب الحيوانيّة والاهوية الكاسدة النّفسانيّة ويعبّر عنه تارة بالشّيطنة ، وتارة بالخيال ، وتارة بالوهم لاستعمال الشّيطان له واستعماله الخيال والوهم في استنباط الحيل واستعمالها ، ولو لم يقتل هذا الغلام لأفسد في الأرض وأهلك الحرث والنّسل وأفسد أبويه ، ولو قتل أبدلهما الله