في الوجود الّا الله ، وفي هذا المقام صدر عن بعض الكاملين ما ظاهره وحدة الوجود الممنوعة مثل ، سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها ، فانّه بتجلّيه الفعلىّ عين كلّ ذي حقيقة وحقيقته فالمعنى وهو بفعله الّذى هو المشيّة حقيقة كلّ ذي حقيقة ، ومثل قول الشّاعر بالفارسيّة :
غيرتش غير در جهان نگذاشت |
|
زان سبب عين جمله اشيا شد |
فانّ الغيرة من صفاته الفعليّة وهي من أسماء المشيّة يعنى انّ غيرته الّتى هي فعله صارت حقيقة كلّ ذي حقيقة ومثل : ليس في الدّار غيره ديّار ، ومثل قوله :
كه يكى هست وهيچ نيست جز أو |
|
وحده لا اله الّا هو |
وغير ذلك ممّا قالوه بالعربيّة والفارسيّة نثرا ونظما ممّا يوهم الوحدة الباطلة فانّها كلّها صحيحة كما أشير الى صحّتها ان كان صدورها عن صاحب هذا المقام ، وان كان صدورها عن صاحب السّفر الثّانى كانت من جملة الشّطحيّات كما سبق ، ولعلّ قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) بإثبات نفسيّة للرّسول (ص) ونفى الفعل عنه وإثباته له كان اشارة الى هذا المقام. ولمّا حصل مقصوده (ع) من تعليم الخضر (ع) وانتهى سفره الى هذا السّفر واستكمل سيره في المراتب الممكنة للإنسان ولم يبق ممّا يستحقّه بحسب الاستعداد شيء ، قال الخضر (ع) : هذا فراق بيني وبينك ، ولمّا لم يبق في نظر شهوده الّا الله وتجلّى له باسمه الجامع على كلّ شيء وفيء ولم ير فعلا وحولا وقوّة الّا من الله تعالى تبرّء الخضر (ع) حينئذ موافقا لحال موسى (ع) من انانيّته ونسب الفعل مطابقا لشهود موسى (ع) الى الله وحده فقال (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) ، وفيما روى عن الصّادق (ع) اشارة اجماليّة الى جميع ما ذكر لانّه قال في قوله فأردت ان أعيبها فنسب الارادة في هذا الفعل الى نفسه لعلّه ذكر التّعييب لانّه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها وأراد الله عزوجل صلاحهم بما امره به من ذلك فذكر في علّة التّفرّد بالانانيّة التّعييب هناك وأشار (ع) في الفقرة الثّانيه الى الوجه الآخر الّذى هو احتجاب الله عن نظره في هذا المقام حيث قال في قوله : فخشينا ان يرهقهما انّما اشترك في الانانيّة لانّه خشي والله لا يخشى لانّه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أمر اراده وانّما خشي الخضر (ع) من ان يحال بينه وما أمره به فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ووقع في نفسه انّ الله جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشريّة مثل ما كان عمل في موسى (ع) لانّه صار في الوقت مخبرا وكليم الله موسى (ع) مخبرا ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر (ع) الرّتبة على موسى (ع) وهو أفضل من الخضر (ع) بل كان لاستحقاق موسى (ع) للتّبيين لانّ قوله (ع) : لانّه خشي والله لا يخشى : وان كان بظاهره لا يناسب الاشتراك في الانانيّة لكنّه بضميمة قوله ووقع في نفسه انّ الله جعله سببا لرحمة أبوي الغلام مع قوله (ع) فعمل فيه وسط الأمر من البشريّة يصير مناسبا للاشتراك في الانانيّة ، فانّ معناه انّ الخشية بتمام اجزائها لا يصحّ نسبتها الى الله لكنّها باعتبار جزءها الّذى هو الرّحمة يصحّ نسبتها اليه تعالى ، وقوله فعمل فيه وسط الأمر اشارة الى وسط حال الإنسان من مشاهدة نفسه ومشاهدة الله ، وكذا قوله : وقع في نفسه انّ الله جعله سببا لرحمة أبوي الغلام ، يدلّ على مشاهدة الله وتسبيبه ، وقوله : مثل ما كان عمل في موسى (ع) يشير الى انّ الخضر (ع) تصرّف في موسى (ع) ورفع درجته عن مقام الاحتجاب الى مقام شهود الله وشهود الواسطة ، وقوله : لانّه صار في الوقت مخبرا ، تعليل لتصرّف الخضر (ع) في موسى (ع) مع انّه كان انقص منه ، والمعنى انّ الخضر (ع) صار في وقت اتّباع موسى (ع) مخبرا ومعلّما لما لا علم لموسى (ع) به وموسى (ع) صار تابعا ومتعلّما وتصرّف الخضر (ع) كان من هذه الجهة ، ولا ينافي ذلك اكمليّة موسى (ع) من جهة اخرى ولذا قال : ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر (ع) الرّتبة على موسى (ع) والّا فمحض المخبريّة والمخبريّة تقتضي الرّتبة للمخبر على المخبر بوجه ، وقال (ع) في